للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجدون النماذج الكثيرة الوفيرة، من كل لون وميدان وتخصص، في العصور الإسلامية المتلاحقة، كلها تتضافر لإظهار هذه المعاني المثلى، قائمة في حياة المجتمع، تجتذب الناس، وتدعوهم إليه. وإذا حلّ الإيمان بهذا الدين الكريم- قلب إنسان، كانت ولادة جديدة رشيدة. وانظروا إلى بيعة العقبة كيف كانت وكيف كان أصحابها، وكيف كان استعدادهم الرفيع للبذل من أجل هذا الدّين «١» .

ثم كانت الهجرة، والتقى أهل الهجرة بأهل النصرة «٢» ، بعد أن حمل الطريق خطواتهم السارّة البارة، هجرة عن الوطن من أجل الدعوة إلى الله، وحمل الأمانة، وتبليغ الرسالة، وهو أمر فريد «٣» .


(١) سبق الحديث عنها، انظر: أعلاه. كذلك مسند الإمام أحمد (٣/ ٣٢٢- ٣٢٣، ٣٣٩- ٣٤٠) . سير أعلام النبلاء (١/ ٣٠٩) .
(٢) حياة الصحابة (١/ ٣٣٥) وبعدها (٣٧٧) وبعدها.
(٣) ولقد ورد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه حزن على ترك مكة المكرمة في الهجرة، لكن دين الله أعزّ من كل شيء، حتى من النفس والأهل والولد. وكانت الهجرة هجرة إلى الله، ونصرة لدينه. فأخرج الترمذي (٥/ ٦٧٩ حديث رقم ٣٩٢٥) أن أحد الصحابة رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الهجرة واقفا على راحلته بالحزورة، في سوق مكة (موضع مرتفع خارج مكة، ومعناها الرابية) وسمعه يقول: «والله إنّك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (زاد المعاد، ١/ ٤٨- ٤٩) . وأخرجه كذلك أحمد في مسنده، المسند، (٤/ ٣٠٥) ، والترمذي، رقم (٣٩٢٥/ ٥) . أسد الغابة (٣/ ٣٣٦) ، رقم (٣٠٦٨) . كما أخرج الترمذي بعده ما يؤكده من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخاطبا مكة: «ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» . (انظر: السيرة النبوية، الندوي، ١٤٥- ١٤٦) . وذكر أن أصيل الهذلي (أو الغفاري) قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة- قبل أن يضرب الحجاب على أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلم- فقالت عائشة رضي الله عنها: يا أصيل، كيف عهدت (تركت) مكة؟. فلما أجابها، قالت له: أقم حتى يأتيك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يلبث أن دخل عليه النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: «يا أصيل! كيف عهدت مكة» ؟ قال: عهدتها والله وقد اخضرت أجنابها (أخصب جنابها) وابيضت بطحاؤها

<<  <   >  >>