وأعلاهم وأقربهم، كيف لا وهو إمام الأنبياء وسيد المرسلين. وقد ربى أصحابه ويربي إخوانه التابعين في كل الأجيال- مقتدين به صلّى الله عليه وسلم- على مائدة القرآن الكريم، كتاب الله المبين الذي أنزله نورا وهدى للعالمين.
رأينا ذلك تماما لدى الصحابة الكرام، نساء ورجالا، أغنياء وفقراء، كبراء وإماء. واقرأ- إن شئت- هنا تراجم الصحابة الكرام، تجدهم أهل مواقف للحق، لا يعرفون إلّا بها ولا يعرفون إلا بها. وأي مواقف تكون على منهج الإسلام! فأي قمم شواهد ارتقوها، وأي ذرا شواهق وقفوا عليها، وكأنهم ينادون البشرية ويدلّونهم ليذهبوا إليها، يترفقون بهم. ويقودهم لذلك معلم الإنسانية ورحمة الله إليهم وإلى البشرية كافة محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم.
فمن سمع واستجاب ارتفع، ومن أعرض وقع. وانظر تصوير رسول الله صلى الله عليه وسلّم البليغ لذلك، كيف لا، والله قد رباه ورعاه وأدبه وأعدّه ووجّهه، والوحي يتنزل عليه، ويرشده ويسدده ويوجّهه، فيقول صلّى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبّهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون (تفلّتون) من يدي» «١» .
[* الإضافة وحديث القرآن:]
إن شخصا يقوم بكل ذلك، ينشئ أمة مثالا من عدم، ويهيب بها وفية، لتكون قائدة رائدة- في ذلك الزمان والوسائل- للبشرية كلها، وتدير دفة التاريخ وتحوز مقوده وتحوّل مجراه وتستديره إلى حاله يوم خلق الله
(١) انظر: تفسير القرطبي، (١٤/ ١٢٢) ، (٢٠/ ١٦٥) . وقد أخرجه البخاري. روى أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهنّ ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحّمون فيها» . كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي، رقم (٦١١٨) ، (٥/ ٢٣٧٩) .