للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[* دعوة اليقظة والارتقاء:]

طلع النهار فقام النبيّ المختار صلّى الله عليه وسلم، ينادي بايات الله، أنزلها عليه وحيا كريما، وقرآنا عظيما، نصّا ومعنى من عند الله تعالى وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: ١٩٢- ١٩٤] .

أنزله سبحانه وتعالى على قلبه ابتداء من يوم حراء، تبعته القلة المؤمنة فكانت قطر عين صفاء، وينبوع ارتواء زلالا، حتى صارت نهرا، يهدر هدرا، يجرف كل عائق، يزيله صخرا، ويدحرجه حجرا، حفّت بذلك الأهوال، وإنفاق المال، وتقديم الأنفس من النساء والرجال والأطفال.

استمر الحادي البار، والهادي المختار، يقود موكب النور، فاهتزت به نفوس، واستنارت قلوب، حين صحا فيها إنسانها من رقدة، ونهض من كبوة، وأطل من كوة، على الضياء، يحمل مشعله ونبراسه هاديا، وهو الهادي الأمين، رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويرفع لواءه عاليا، وينشده ويرنّ صوته مدوّيا، بايات الله البينات لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١] .

حملها الحبيب يجوب بها دروب مكة وما حولها ليل نهار، ويجول أحياءها وسهولها (السهل) وجبالها (الجبل) وصخورها، وينادي أبناءها وقبائلها، ويرتاد أسواقها، ويغشى اجتماعاتها ومجتمعاتها، أهل مكة أمّ القرى وما حولها، ويأتي أسواق العرب ومواسمها قائلا ومناديا فيهم:

«يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» «١» .

سرت الحياة في نفوس آمنت، واهتدت، وباعت نفسها لله، وبايعت


(١) حياة الصحابة (١/ ١٠٧) . انظر كذلك: حياة الصحابة (١/ ٩٨- ٩٩) . سير أعلام النبلاء (٣/ ٥١٦) . السيرة النبوية، الذهبي (١٥٠- ١٥١، ٢٨٥) .

<<  <   >  >>