وهكذا تتكامل حقائق السيرة المذكورة في القرآن الكريم بعمقها وصدقها، بإخبارها عن غيبها وحاضرها معلومها ومجهولها غيبا وشهادة، في كل الأحوال، مثلما يبين جل جلاله ما يصلح لهذا الإنسان من تشريع وتوجيه يكون دائما على مدى الحياة ويجعل الإنسان في وضعه الطبيعي الذي أراده الله له وخلقه من أجله وأعده لبناء الحياة الفاضلة، مستديرا بنفسه كما استدارت الحياة والكون على وضعها وفلكها ومسارها يوم خلق الله السموات والأرض.
وهكذا تتعانق في القرآن الكريم موضوعات السيرة الشريفة مع موضوعاته الآخرى كالتشريع وغيره ليبقى كلها مرتبطا بالإنسان في كل زمان ومكان يريده ويطلبه ويرغبه، ليا بني حياته بهذا وذاك. وكل هذا لا غنى للإنسان- وطبعا للمجتمع المسلم- عن كل ما في القرآن الكريم، فكله دائم وصالح وضروري لإقامة الحياة الإنسانية بدروبها وفروعها وجوانبها. وهذا الفهم بحاجة إلى دراسة مستقلة فتح الله به وأنا أراجع هذا المبحث لتقديمه إلى الطباعة «١» .
[* بين الدرجة والنوع:]
وعلى كل أحد يريد أن يقيم مجتمع الإسلام، أن ينحو هذا المنحى وينظر إلى هذه الآفاق، يرتقي بها فهما وعمقا، حبا وصدقا، علما وعملا، ليقترب- مقتديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم- من مستوى أولئك الصحب الكرام. فهو وإن تخلف عنهم في الدرجة، لا يحب أن يتخلف أو يختلف عنهم في النوعية.
ولهذا أسبابه وعزمه وعزائمه وجدّه وإقباله، بحيث هؤلاء يتنسّمون وينسمون
(١) كان ذلك أثناء مراجعة المبحث، بعد كتابته، وتنقيحه، لرفعه إلى ضربه على الكومبيوتر، مساء الثلاثاء (٢٧/ ٢/ ١٩٩٠) . وهذا يشير إلى المتابعات المتكررة والمراجعات الكثيرة وتوالي إعادة النظر الدائم للكتابة المتأنية، ابتداء من (١٩٨١ م) وحتى اليوم (١١/ ٤/ ١٩٩٨) حيث أجهزه للطباعة وإن كان أحيانا وكثيرا على تتابع أو تراخ لوقت ما. وأعتبر هذا أطروحتي الأولى، أو الآخرى على أقل تقدير.