للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روائع السيرة ويشفّون عنها ويشفون بها ويشون بها ويتمثلون روائعها، ينشرون شذاها وينثرون عبقها، تحبّهم كلما اقتربت منهم، تعرفهم بمواقفهم في كل الميادين، يقعون في النفس موقع التقدير حتى لو كانوا آخر الأفواج.

لا يشقى بهم جليس بل يجد فيهم الأنس الأنيس وينتشي البئيس.

فما الذي يدعو إذا إلى محبة بلال وسمية «١» وياسر وغيرهم، وهم حتى


(١) لقي هؤلاء وغيرهم كثيرا من العنت والإرهاق والتعذيب المتنوع المتكاثر والاضطهاد الكبير المريع، وكل المسلمين في العهد المكي. وأصروا بعناد قوي وواجهوا المشركين وأعلنوا إسلامهم وجاهروا به وأبوا إلا الإعلان عموما، رغم أن الدعوة كانت سرية. أما بلال الحبشي، بلال الخير (٢٠ هـ) ، فهو مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أذّن في حياته صلّى الله عليه وسلّم حضرا وسفرا، وأذّن يوم الفتح على ظهر الكعبة. أسلم قديما، فكان أحد أول سبعة أظهروا الإسلام: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد (وذكر خبّاب بدل المقداد) ، سير أعلام النبلاء، (١/ ٣٤٧) . أسد الغابة، (٤/ ١٣٠) ، (٧/ ١٥٢) . سيرة ابن هشام، (١/ ٣١٨، ٦٣٢) . وكانت الدعوة الإسلامية في بداية العهد المكي سرّية، لكن بلالا أظهر الإسلام وأعلنه. وكان عبدا لأمية بن خلف، وكان يعذبه بوضع صخرة عظيمة على صدره في الرمضاء وهو صابر محتسب ويقول: أحد أحد حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه. ولذلك يقول عمر بن الخطاب: (أبو بكر سيّدنا وأعتق سيدنا) يعني بلالا. البخاري: فضائل الصحابة، باب مناقب بلال بن رباح، رقم (٣٥٤٤) . حضر المشاهد (المعارك الغزوات) كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، روى له أصحاب الصحاح الستة عشرات الأحاديث. وبعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى الشام للجهاد وفيها كانت وفاته. وحين حضرته الوفاة كان يقول: (غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه، وافرحتاه) . انظر: الطبقات الكبرى، (٣/ ١٦٩) . سيرة ابن هشام، (١/ ٣٣٩) . الإصابة، (١/ ١٦٥) ، رقم (٧٣٦) . الاستيعاب، (١/ ١٧٨) ، رقم (٢١٣) . الوافي بالوفيات، (١٠/ ٢٧٦) ، رقم (٤٧٧٦) . سيرة الذهبي، (٢١٧) . أما سميّة (نحو ٧ ق. هـ ٦١٥ م) وزوجها ياسر وابنهما عمار فقد عذّبوا كثيرا وفيهم قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» . (سبق ذكره أعلاه) ، ثم قتل أبو جهل سمية بأن طعنها بحربة في موطن العفة منها، فكانت أول شهيدة (شهيد) في الإسلام ثم استشهد زوجها ياسر، وهو يعذب بيد المشركين غرقا. أما عمار فعذب

<<  <   >  >>