للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغمرته المحدقة المبيدة. أليست تلك واحدة من علامات النبوة؟! بل وسراقة الذي جاء يطاردهم، طمعا في جائزة قريش، فلما ساخت فرسه لأكثر من مرة سقط من عليها في الثالثة، على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم محفوظ، وتحوّل من مطارد لهما طامع بالجائزة إلى راغب بوعد، يعمّي الأنظار، ويكتم الأخبار، والوعد أمان وإيمان، بشّره صلّى الله عليه وسلّم بأن الله سيفتح على المسلمين، ويلبس سراقة تاج كسرى وأسورته «١» . أليس هذا خيال!؟ لا بل واقع. ويتمّ الله فتح أكبر دولتين في العالم فارس والروم، ويلبس سراقة في خلافة عمر أسورة كسرى وتاجه، ذلك على ملأ من الصحابة. وقال عمر:

(الحمد لله الذي سلب كسرى سواريه، وألبسهما سراقة بن جعشم الأعرابي) «٢» .

معجزتان في معجزة: الأولى: إخبار عن الغيب، بوحي الله، والثانية: إتمام هذا الأمر، وهو ما أخبر الله به نبيّه، وعرفه سراقة في يوم تمامه. فيا للفرحة والقوة! إنها النبوة الكريمة.

ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طول الطريق خائفا، فلقد كان يقرأ القرآن، ويكثر من الدعاء، ذلك غاية الاطمئنان، وأعلى درجات الإيمان «٣» .

واستمر الركب الكريم أكثر من أسبوع حتى وصل المدينة المنورة في قباء، يوم الإثنين من شهر ربيع النبوي (الأول) . وأقام فيها أربعة أيام، أسّس أول مسجد في الإسلام «٤» . ثم انتقل إلى داخل المدينة المنورة؛ التي


(١) حياة الصحابة (٢٦١- ٢٦٢) . تاريخ الإسلام (الخلفاء الراشدون) (٢٩٥) .
(٢) حياة الصحابة، نفسه، تاريخ الإسلام، نفسه. السيرة النبوية، أبو شهبة (١/ ٤٩٣- ٤٩٥) .
(٣) انظر: البخاري: كتاب: فضائل الصحابة، باب: هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، رقم (٣٦٩٤/ ٣) . سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٩- ٤٩٠) . حياة الصحابة (١/ ٣٤١- ٣٤٢) .
(٤) سيرة ابن هشام (١/ ٤٩٣- ٤٩٤) . قارن: الفصول في سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ابن كثير (١١٧- ١١٨) . حياة الصحابة (١/ ٣٤٢) .

<<  <   >  >>