(٢) خبيب بن عدي الأنصاري: أوسي من بني النجار، شهد بدرا وأحدا. وهو أحد العشرة أو الستة- الذين بعثهم إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قبائل عضل والقارة، في أواخر السنة الثالثة للهجرة أو أوائل الرابعة- وهو الأرجح- بعد أحد. وكان أميرهم عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح، جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه. هذا ما تقوله بعض المصادر، وهو يعني أن عمر بن الخطاب تزوج بنت عاصم بن ثابت. لكن الذي يبدو أن أم عاصم بن عمر بن الخطاب هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح، أي: أن أم عاصم بن عمر بن الخطاب هي أخت عاصم بن ثابت، وليست ابنته. انظر: التاريخ الأندلسي (١٨٩) ، حيث تجد التفاصيل. قدم المدينة المنورة رهط من هذه القبائل وسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلّموننا شرائع الإسلام) (سيرة ابن هشام، ٣/ ١٦٩. حياة الصحابة، ١/ ٥٢١) . فبعث صلّى الله عليه وسلّم هؤلاء الصحابة الكرام، فخرجوا مع القوم. والصحابة هم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن البكير الليثي، وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، وخبيب بن عديّ، وزيد بن الدّثنّة بن معاوية، وعبد الله بن طارق. وهذا في حالة كونهم ستة نفر، كما يقول ابن إسحاق (السيرة ٣/ ١٦٩) . لكن آخرين يقولون إنهم عشرة نفر ستة من المهاجرين وأربعة من الأنصار (مغازي الذهبي، ٢٣٠) . فخرجوا مع القوم حتى إذا وصلوا ماء الرجيع (بين عسفان ومكة بناحية الحجاز) (وعسفان: مدينة تبعد نحو (١٣٠) كيلومتر (كيلا) شمال مكة باتجاه المدينة المنورة) غدروا بهم، واستصرخوا عليهم قومهم، فأحاط بهم نحو مئة أو يزيد، بأسلحتهم. فلم يستسلم الصحابة، وجرى قتال، ولم يكن معهم غير سلاح الراكب (السيوف في القرب جمع قراب) ، ولم يكن معهم سلاح المحارب، فقتل سبعة من الصحابة، منهم أميرهم، ثم قتل آخر، وبقي اثنان: خبيب بن عدي، وزيد بن الدّثنة. فأخذوهما إلى مكة، وباعوهما لمن يطلب الثأر منهما في قتلى بدر، فسجنا، وكان خبيب في بيت امرأة، رأت منه عجبا فأسلمت. ثم جيء بهما، فقتلا صبرا (قتل محبوسا محكوما، وليس في حرب) في يوم واحد. ولما أرادوا قتل خبيب قال لهم: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، ولم يطل فيهما، قائلا: (لولا أن تظنوا أنّ ما بي جزع لطوّلتها) . فكان أول من صلب في الإسلام، وأول من سنّ الركعتين لكل مسلم قتل صبرا. وحين رفعوه على الخشبة قال: (اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا) (سيرة ابن هشام، ٣/ ١٧٣) . ثم أنشد شعرا، وهو المذكور أعلاه، وهو في المصادر أطول. وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع فلست بمبد للعدو تخشّعا ... ولا جزعا إني إلى الله مرجعي فو الله ما أرجو إذا متّ مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي ثم سألوه (هو أو زيد) : أتحبّ أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال: (والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي) . فعجبوا من ذلك وقالوا: ما رأينا أحدا يحبّ صاحبه كما يحبّ هؤلاء محمدا. (سيرة ابن هشام، ٣/ ١٧٢. حياة الصحابة ١/ ٥٢١، ٥٢٣) . ثم قتلا، رحمهما الله تعالى، ورضي عنهما وأرضاهما. (أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب: هل يستأسر الرجل، رقم ٢٨٨٠. كذلك رقم: ٣٨٥٨، ورقم ٦٩٦٧) . سيرة ابن هشام، (٣/ ١٦٩- ١٨٣) . زاد المعاد (٣/ ٢٤٤، ٢٤٦) . الإصابة (١/ ٤١٨) رقم (٢٢٢٢) . وعند الذهبي تلخيص جيد لحادثة يوم الرجيع (أو سرية الرجيع، أو ماء الرجيع) ذلك الذي وقع في صفر من السنة الرابعة للهجرة الشريفة حين الحديث عن خبيب يقول: شهد أحدا، وكان فيمن بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم مع بني لحيان، فلما صاروا بالرجيع، غدروا بهم، واستصرخوا عليهم، وقتلوا فيهم، وأسروا خبيبا، وزيد بن الدّثنّة، فباعوهما بمكة، فقتلوهما بمن قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم من قومهم (في المعارك والحرب) وصلبوهما