للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبدل في حياتهم كل شيء، مذ بدعوة الله كانت ولادة الإنسان الجديد.

غدا المسلم عبدا لله- بعد الأصنام- متوجها إليه عارفا طريقه. باعوا أنفسهم إيمانا، وارتبطوا بشرعه، تعبّدوا له، بعد العبودية لغيره، تابوا عن الفواحش، وعشقوا الفضائل الربانية.

وبهذا التكوين الجديد الذي استهل الفداء طريقا، قائما على الإيمان بالله والحب فيه: حب دعوته وحب رسوله صلّى الله عليه وسلّم وحب المؤمنين وحب مستقبل الإسلام، يفعل ما يريده غير سائل عن لونه أو كنهه ولا مبال بضخامته وعتوه، يدور مع القرآن حيث دار «١» ، لا يريده في غير ذلك الاتجاه، ولا يتهاون في إدارته، يتنازل عن كل شيء له، ولا يتنازل منه بأي مقدار لشيء.

بهذه الروح كانت تلك الأمور، وكانت الهجرة، وكانت الدولة، وكانت الفتوحات والحضارة والحياة الكريمة الفضلى والمثل العليا الكبرى والبطولات الفذة القصوى.

ألم يأتكم خبر عبد الله بن حذافة السّهمي «٢» ، حين وقع في أسر الروم- في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- واستقدمه القيصر هرقل ليعرض عليه- ترغيبا وترهيبا- ليترك دين الإسلام. فقال- أخذا بالعزيمة دون الرخصة، ودولة الإسلام قائمة- (والله لو ملكتني ملك العرب والعجم ما تركت دين الله (دين محمد) طرفة عين) . ولما قتلوا أمامه بعض أسرى المسلمين رميا بالزيت المغلي إرهابا، لعله يضعف، وجيء به يبكي استبشروا، وسألوه إن كان يبكي ضعفا ويوافق؟ فلم يتغير جوابه، أو يتزحزح من موقعه. إذا لماذا كان يبكي؟ قال: (أبكي لأني لا أملك غير


من سار من أول الليل كان جديرا ببلوغ المنزل في وقت مبكر) .
(١) من حديث شريف.
(٢) أسد الغابة (٣/ ٢١٢- ٢١٣) . سير أعلام النبلاء (٢/ ١٤- ١٥) . ويذكر صاحب الاستيعاب (٣/ ٨٩١) أن أسره كان سنة (١٩) للهجرة النبوية الشريفة في خلافة عمر.

<<  <   >  >>