وقوة شماء، في سيرة مباركة تقوم على الإيمان بالإسلام، عقيدة وعبادة وشريعة- علما وعملا- ترقبها عن كثب وتشاهدها، إنسانا يتحرّك بهدي هذا الدين، متفاعلة مع الحياة تصبغها وتصيغها على منهجها في كل ركن وجانب وموقع. وهي تقوم بذلك طاعة لله تعالى، في الحرب والمحراب وفي المسجد والسوق والحياة مع الناس، في أسرتها ومع نفسها ومع مجتمعها، مع عدوّها وأخيها، مثلما هي كذلك مع الله سبحانه وتعالى، تطيعه وتتحرّى دينه- قرآنا وسنّة وسيرة- في المنشط والمكره والعسر واليسر، في السرّ والعلانية «١» . وبه قامت وعليه تربّت في معترك الحياة، تؤمن به، وتتشرف بنوره، وتأخذ بتعاليمه في كلّ حين.
وتلك هي دوافع هذه الدراسة، ومقوماتها، ومنهجيتها التي تتبناها وتعتمدها، فإنّ دراسة السيرة الشريفة، وعلى هذه المنهجية الحيّة المتفاعلة الداعية للأخذ بها، ضرورية لازمة، وقضية حاسمة حازمة، لا غنى عنها ولا بديل ولا تحويل.
وليست دراسة السيرة كمالية، أو نافلة، أو قضية دراسية أو علمية، بل هي أساسية، مهما كان تخصّص المسلم ونوع اهتماماته. ندرسها لنقتدي بها ونهتدي، ونستظل بظلّها في التطبيق العملي الذي تتجلّى فيه نصوص القرآن الكريم والدعوة الإسلامية، مشاهد ووقائع حيّة نابضة، ومتحرّكة مؤثرة. وأهمية ذلك بمقدار الاهتمام والتفاعل مع مضامينها وما يقرّ في القلوب وبمقدار الأخذ به. وكلّ ذلك علامة على تجدّد الأمة المسلمة التي لا تموت، إن شاء الله تعالى وبنعمته سبحانه، ما دامت ملتزمة بذلك، ولا بدّ ان يقيّض الله من يأخذ بها، ويرعاها، ويحميها، بل هي دواما تماما في ولادة مستمرة.
(١) البخاري: كتاب الإيمان، باب: علامة الإيمان حب الأنصار، رقم (١٨) . مجموعة الوثائق السياسية، (٤٨، ٥٠) . السيرة النبوية، الذهبي (٢٩٢، ٢٩٨) . إمتاع الأسماع (١/ ٣٦) . حياة الصحابة (١/ ٢٤٥) .