فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: ٩٤] فناداهم صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»«١» .
فأقام النبي صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في مكة- يرتاد تواجد الأقوام وتجمعاتهم ومجتمعاتهم، في منازلهم ومساكنهم وأسواقهم ومجالسهم ومواسمهم، وكافة مواقعهم، ثلاثة عشر عاما، يحفر في الأرض المصخرة، جرّب كلّ تلك المواقع، وكان يعرض نفسه على كل أحد، يسأل من يؤويه، وينصره
(١) أخرجه البخاري: كتاب: التفسير (الشعراء) ، باب: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] ، رقم (٤٤٩٢) . ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] ، رقم (٢٠٨) . مسند الإمام أحمد (١/ ٢٨١، ٣٠٧) جديدة: (٤/ ٣٢٩، رقم ٢٥٤٤، ٥/ ١٧- ١٨) رقم (٢٨٠١) . والترمذي: التفسير، سورة المسد، رقم (٣٣٦٣) . جامع الأصول (٢/ ٢٨٦) ، رقم (٧٣٩) وبعدها. الأساس في السنة (١/ ٢٣٥- ٢٣٩) رقم (٨٧- ٩٠) . حياة الصحابة (١/ ٩١) . سيرة ابن كثير (١/ ٤٥٥- ٤٦٩) . وتكاد كل هذه تورد وتؤيد وتبين أن هذه الحادثة كانت بمناسبة نزول آية (آيات) الشعراء: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [الشعراء: ٢١٤- ٢١٦] . إلا أنّ ابن إسحاق في سيرته الشهيرة (سيرة ابن هشام) - وهو يقدّم ملخصا جيدا لبدايات الدعوة الإسلامية في عهدها المكي- يبين وكأن آية سورة الحجر [رقم ٩٤- ٩٥] فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ نزلت أولا، ثم آيات سورة الشعراء. فيقول ابن إسحاق: (ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدّث به. ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه؛ وكان بين ما أخفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره، واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين- فيما بلغني- من مبعثه؛ ثم قال الله تعالى له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وقال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ. (سيرة ابن هشام، ١/ ٢٦٢- ٢٦٣) . وانظر: من معين السيرة (٤٣- ٤٥) . وعلى كل حال فلعلّ هذا الأمر وموقفه قد تكرر، كما يقول البعض. انظر: جامع الأصول (٢/ ٢٨٦- ٢٨٧) (الهامش) . من معين السيرة، نفسه.