للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليبلّغ رسالات ربه سبحانه «١» .

استمر ذلك كله، حتى كانت تباشير الهجرة تدق الطريق، حين بدأ دخول مجموعات من أهل المدينة في هذا الدين، خلال السنوات الأربع الأخيرة من مكوثه صلّى الله عليه وسلّم في مكة، أو التي أسلم من أهلها خلال ذلك نفر قليل، رأوا كل شيء في جنب الله زهيدا. تربّوا جميعا- رجالا ونساء وولدانا، فقراء وأغنياء وعبدان- على ذلك صناعة، وأتقنوه بضاعة، بشكل متفرد في تاريخ الإنسان، تفرّد الإسلام الذي رباهم على شرع الله وعلى يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ الذي كان أكثرهم تحملا وصبرا. وليس ذلك في العذاب والصدود فحسب، ولكن في الصبر عليه، والأمل بنصر الله من غير حدود.

ألم تروه، متوسّدا برده- عليه الصلاة والسلام- في ظل الكعبة، وقد جاءه خبّاب بن الأرتّ «٢» يشكوه- مع آخرين- شدّة العذاب، ليدعو الله للمسلمين بالنّصرة.

يقول خبّاب: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسّد برده (بردة له) في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدّة، فقلنا له:

يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو الله لنا؟! فقعد وهو محمرّ وجهه، فقال: «لقد كان من قبلكم (لقد كان الرجل فيمن قبلكم) يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض (حفرة) فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على (مفرق) رأسه فيشقّ (فيجعل) نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون


(١) زاد المعاد (٣/ ٤٥) . حياة الصحابة (١/ ٩٨- ١١٠) .
(٢) خباب بن الأرت: كان قينا (حدادا) يعمل السيوف في الجاهلية، ولما جاء الإسلام كان من أوائل من أسلم، فهو قديم الإسلام وممن عذّب كثيرا جدا في الله، وصبر على دينه. وبعد الهجرة إلى المدينة المنورة جاهد جهادا كريما، فهو من المهاجرين الأولين، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد (المعارك والغزوات) مع الرسول صلّى الله عليه وسلم. انظر: الاستيعاب (٢/ ٤٣٧) ، رقم (٦٢٨) . أسد الغابة (٢/ ١١٤) رقم (١٤٠٧) . سير أعلام النبلاء (٢/ ٣٢٣) .

<<  <   >  >>