للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن بناء الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم- كما أدّبه الله تعالى ورباه وأعده- أحد الأدلة على نبوته، وما أكثرها وأوفرها وأظهرها. فهو بذاته في سيرته الشريفة دون أي دليل آخر، بمستواه ونوعيته ومثاليته، دليل أي دليل «١» .

وتسير في عين الاتجاه من قصة ربيعة قصة حارث بن مالك الأنصاري الآتي ذكرها «٢» . وحب الصحابة هذا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتمتعهم بحلاوة هذه الصحبة الكريمة جعلهم يفكرون ويرغبون ويطمعون ألا تنقطع، وأن تبقى موصولة حتى يوم القيامة، بل وفيها كذلك. والحق إنه أفق عظيم في عمق هذا الحب وصدقه وقوته التي عبق طيبها فملأ آفاق الحياة والنفوس والوجدان، ويشغلهم المحافظة عليها واستمرارها، ينعمون بها في الدنيا والآخرة. فيستجيب الله تعالى لهم حاثا على الأخذ بكل سبب يديم لهم متعة هذه الصحبة الكريمة وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً [النساء: ٦٩- ٧٠] .

ورغم معرفة الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- أنه سيفارقهم، لكونه بشرا إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: ٣٠] ، فما كانوا ليحتملوه بل حتى كأنهم لا يريدون وقوعه، أو كأنهم لا يكادون يريدون تصوره. وقد وجه الله سبحانه وتعالى الأذهان إلى ذلك مبكرا، لما يعلم- جل جلاله وعم نواله- من شدته عليهم «٣» . ولعل كل هذا الأمر- بأحداثه


(١) انظر ما قاله ابن حزم الأندلسي: أعلاه، ٦٠- ٦١.
(٢) التفسير: (٣/ ١٤٧٨) . المعجم الكبير، الطبراني، (٣/ ٢٦٦) . أسد الغابة، (١/ ٤١٤) . الإصابة، (١/ ٢٨٩) . حياة الصحابة، (٣/ ٢٣) . وتجد في حياة الصحابة (٣/ ٢٤- ٢٥) أمثلة أخرى عن معاذ بن جبل وسويد بن الحارث وأصحابه.
(٣) انظر: مثلا ما فعله سعد بن معاذ (٥ هـ) في معركة بدر. وما فعلته تلك المرأة الدينارية (من بني دينار، الأنصارية) ، حين سمعت بما جرى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في معركة أحد.

<<  <   >  >>