العسرة. ولعله كان دليلا في هذه الغزوة، فتوفي في تبوك «١»(رجب- أو بعده- السنة التاسعة للهجرة) ، بعد إسلامه بقليل!
أما الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- فكان حبهم للرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم يتجاوز كل أنواع الحب ودوافعه وتعبيراته. وكل حياتهم على ذلك دليل.
علما أن هذا الوضع الشرعي الذي يستدعيه الانتماء لهذا الدين لا بد أن يتجاوز مقداره ومستواه ونوعيته حب النفس والأهل والولد، كما مر بيانه.
ولكن هذا كان في نفوسهم حاضرا ومتدفقا وفعالا في واقع الحياة العملية لا يفتعلونه ولا ينبع من شعور إجباري أو دنيوي أو مشوب، بل هو حب مشبوب كانت نفوسهم متوازية متلازمة مع هذا، وهو ثمرة الصدق في الاتّباع لهذا الدين الإلهي ومنهجه الفريد الوحيد.
كان أحدهم يتمنى أن يفدي نفسه له صلّى الله عليه وسلم، ويجد في ذلك حلاوة ومتعة لا تعدلها متعة ولا تقدّم عليها، بل إن أحدهم ليستقل نفسه في هذا.
وكل أحداث السيرة الشريفة كذلك، في المنشط والمكره وفي العسر واليسر وفي السلم والحرب تعبر عن ذلك أقوى تعبير. وخذ في ذلك مثلا ما جرى في غزوة أحد المشهودة.
وهذا الاستعداد المتقابل والتهيؤ المتواصل والتنامي المتماثل يجري في كل الأمور، وجرى لدى هؤلاء الأصحاب. وأقصد من ذلك أن تربية هؤلاء الأخيار على دين الله تعالى جعل نفوسهم مستعدة للامتثال، إلى حد أنها تمارس هذا المستوى ربما قبل نزول الأمر به من الله تعالى والكف عن المناهي قبل النهي بذلك فيها. حتى لتكاد نفوس هؤلاء الصحابة الكرام تطلب ذلك وتستشرفه وتتوق إليه قبل نزول الأمر فيه أو النهي عنه من الله تعالى، ويتولاه الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم. وهذا يمثل أحد معالم وميزات ومتفردات التربية القرآنية التي قد أرادها الله تعالى لأهل هذه الدعوة الربانية الكريمة التي لا تصلح