كان هذا الأمر الإلهي- بالانتهاء عن الخمر- تحريما قاطعا حازما شديدا، ومع ذلك فقد استجاب المسلمون له أروع استجابة، مستريحة وفرحة متلهفة. تم ذلك وكأنه كان أملهم ومأربهم ومطلبهم. ذلك هو ثمر هذا البناء الرباني الكريم على منهج الله تعالى. وهذا هو الفرق بينه وفي علاجه للنفس الإنسانية والمجتمع والحياة وبين كل ما عداه من المناهج الوضعية الأرضية الجاهلية غابرا وحاضرا ومستقبلا.
انظر كيف تمت هذه المعجزة المتفردة، التي لا نظير لها في تاريخ البشرية، ولا مثيل لها في تاريخ التشريعات والتقنيات والتنظيمات والتنظيرات والإجراآت والإصلاحات، في أي مكان ولا في أي زمان ولا لدى أي إنسان؟
لقد تمت المعجزة؛ لأن المنهج الرباني أخذ النفس الإنسانية بطريقته
(١) تفسير القرطبي، (٥/ ٢٠٠) ، (٦/ ٢٨٥) . التفسير، (٢/ ٩٧٣- ٩٧٩) . «الأنصاب» : جمع مفردها: النّصب النّصب: ما ينصب ليعبد من دون الله. أو هي الأصنام أو حجر كان ينصب فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح. «الأزلام» : جمع مفردها الزّلم: وهي السهام التي كانوا يستقسمون بها، إذا أرادوا أمرا فيأتمرون بها. تفسير القرطبي، (٦/ ٥٧) . أو هي القداح (الأقداح) مفردها القدح. يستعمل لنفس الغرض، أو هي قداح الميسر. تفسير القرطبي، (٦/ ٥٨) . البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [المائدة: ٩٠] . التفسير، (٤/ ١٦٨٧) . رجس: نجس مستقذر أو إثم فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟: هي حرمة مشددة، وهي صيغة الاستفهام الإنكاري. وهو من أبلغ ما ينهى به ووعيد شديد زائد على معنى انتهوا. لذلك فهم قالوا في الامتثال: انتهينا. تفسير القرطبي، (٦/ ٢٩٢) . فهو تحريم قاطع مؤكد نهائيا تماما.