للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكلمات أخرى عن أنس أيضا، يقول: (كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا ينادي:

«ألا إنّ الخمر قد حرّمت» . قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها.

فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة ... ) «١» .

إن امتثال الصحابة الكرام في الانتهاء عن تناول الخمر- وبهذا الشكل القوي- لهو معجزة من معجزات الإسلام، إذ استجابوا بشكل كامل وجماعي، وأراقوا ما لديهم منه، ولم يؤجلوا ولم يبيعوا ما لديهم منه لغيرهم، حتى لغير المسلمين، بل ولم يعطوه لأحد «٢» . فما أن سمعوا بالخبر- مجرد الخبر- من رجل مسلم حتى نفذوه قبل أن يستفسروا، حتى قالوا انتهينا يا رب «٣» .

وانظر هذه الصورة التي يذكرها الإمام ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ) في تفسيره (جامع البيان عن تأويل القرآن) . فيروي عن الصحابي الجليل


«القلال» : جمع قلّة، وهي الجرة التي يقلها- أي: يحملها- القوي من الرجال. «عنها» : عن تحريم الخمر. «راجعوها» : أي لم يرجعوا إلى شرب الخمر، «أو» : لم يرجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليتأكدوا منه خبر التحريم (ويبدو هذا أرجح) . وهذا يدل على صدق المسلمين فيما ينقلون وثقتهم بعضهم ببعض، وأنهم أتقياء في هذا وغيره. وهذا أمر طبيعي.
(١) رواه البخاري: كتاب المظالم، باب: صب الخمر في الطريق، رقم (٢٣٣٢) . ومسلم، رقم (١٩٨٠) . أبو طلحة بن سهل الخزرجي النجاري (٥١ هـ) زوج أم سليم (الرّميصاء) الأنصارية النجارية الخزرجية (١/ ٣٠٤) . أسد الغابة، (٧/ ٣٤٥) .
(٢) حرم الإسلام التعامل به بأي حال وعدم المشاركة بأي أمر يتعلق به. انظر: الأساس في التفسير، (٣/ ١٥٠٧- ١٥٠٨) . روى الإمام أحمد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعنت الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها وآكل ثمنها» . المسند، (٢/ ٩٧) . التفسير، (١/ ٣١٦) . الأساس في التفسير، (٣/ ١٥٠٦) .
(٣) تفسير الطبري، ٧/ ٣٣) .

<<  <   >  >>