فلا بدّ من توفر التلقي، بكل هذه الوسائل التي تعهّدتها السيرة، ليصفو العطاء زلالا، بالتلازم والاستواء والوفاء.
فالسيرة الشريفة بفصولها، هي قصة الهداية الإنسانية والإنسان المثال، قصة الإنسان في هذه الأرض وقصة حضارته، قصة السعادة في الدارين، وقصة الموكب السّائر نحو الله بمنهجه سبحانه وتعالى، عبر القرون والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكذلك قصة ما يحفّ ذلك كله من طبيعة وحقيقة ووسائل الصراع بين الحق والباطل، حتى يبقى الأخير أسيرا ومنهزما حسيرا، مثلما هي كذلك تحمل كيفية الإيصال والإبلاغ للحق، والإقامة والإدامة والبناء خلال الأجيال. فيبقى الإنسان سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة، حين يتأهّل بمنهج الله تعالى، استحقاقا للخلافة في أرض الله تعالى، بل وكذلك حتى يلقاه سبحانه وتعالى.
فالإسلام وحده- من خلال السيرة الشريفة والاقتداء بها- رفع الإنسان، وأهّله لكلّ ذلك. وعندها وبه- لا بغيره- يستطيع أن يا بني الحضارة الفاضلة والإنسانية الكريمة. والإسلام يفعل كلّ ذلك وأمثاله وغيره دوما، وقد فعل.
رفع الإسلام قدر الإنسان، وحقّق إنسانيته، بعد أن طهّر نفسه من الأرجاس، وابتناها على الإيمان المستنير بالله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى.
فحرّرها من كل ألوان العبوديات والوثنيات والجاهليات، في العقيدة والعبادة والنوايا والأقوال والأفعال، وفي أمور الحياة كافة، وخلوص ذلك كله لله تعالى وحده جلت قدرته، وأعلى مكانتها بذلك، فتحقّقت إنسانيتها المؤمنة المطمئنّة، الراضية بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
وبه استحق الخلافة في أرض الله، يرعاها بدين الله القويم، وينيرها بمنهجه، ويسير به مضيئا، ويتحرك مشرقا، ويحمل راياته، داعيا له بلسانه، متحركا به بسلوكه. يرى ويعلم أنّ تلك مهمته، إنقاذ البشرية وهدايتها. وهكذا كان المسلمون، لا سيما الصحابة الكرام ومن بعدهم.