للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولئك الذين يرسمون صورة الإسلام في سلوكهم، ويتمثلونها في حياتهم، ويفتدونها بالنفس رخيصة. يهتفون بهتاف الخلود في كل موطن شديد: (الله أكبر لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ، فتصغر الدّنيا في عيونهم، وينظرون إلى الصّعاب منهزمة، وإلى الطغاة راغمة، مهما كانوا مدججين بالسلاح، وممتلكين للمناصب، ومتسلطين، يتولون الإنسان بالجبروت المتفرعن على خلق الله سبحانه وتعالى.

وكلّ جمع تتركز فيه تلك المعاني الفاضلة الخيرة، تبرز فيه هذه الحقائق، فكما برز في العهد الأول القدوة تبرز على مر التاريخ، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

فكم من مؤمن أوذي في الله بكل طريق، وحورب بكل أسلوب، وتقطّع أوصاله، وتتناثر أشلاؤه، وتستنزف دماؤه وهو يشدو وينشد أناشيد الإسلام ... أناشيد القوة الفاضلة، والعدل الأمين بكلام الله المبين وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [إبراهيم: ١٢] وهكذا يردد المؤمنون الآيات الكريمة، ويتلونها حق تلاوتها، علما وعملا، ويفهمون معانيها وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: ٦٩] .

كما كان ينشد السلف، وهكذا يفعل الخلف، آيات من الكتاب المبين، والذكر الحكيم، والطريق المستقيم، وبه الهداية، وفي غيره الغواية. وهكذا فهم الجميع، كلّ المسلمين، دوما مثلما يستلهمون كتاب الله سبحانه وتعالى، وحديث الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم يتمثلونها، ويتعلمون منها مسالكهم، فهم يستنبطون ويستنبطون من معانيها ومبانيها ما يترسّمون وما يفعلون وما يقولون «١» :


(١) أخرجه البخاري، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب، رقم (٣٨٧٨) .

<<  <   >  >>