للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسانية، لا سيما السيرة النبوية الشريفة- على صاحبها الصلاة والسلام- وعموم التاريخ الإسلامي.

وإن هؤلاء لم يعتكفوا على الكتابة بل- بجانب التأليف والتدريس- خاضوا الحياة، وحملوا إليها معانيها علما وعملا. وكنت تجدهم في المقدمة وقت الشدائد، وفي القيادة في المعامع، وفي ساحات الجهاد كانوا يحثون الناس، وهم أول الشهداء في الميادين.

وإن الأمر الأساسي الوجيه في ذلك، قراءتها بهذا الشكل، وصياغتها، وتقديمها من خلال رؤيتها في النفس، تشقّق وتفتّق ينابيع الإيمان. وكم من غير المسلمين وباطلاعهم على ذلك تأثروا فأسلموا!

والذين يعيشون في أجواء السيرة الشريفة، فقها وسلوكا، هم أقدر الناس على تصوّرها والتعبير عنها، وأصبر وأخلص على تقصّي أخبارها، وفهم دقائقها، وتتبع نصوصها، واستخلاص عبرها، والعيش بمعانيها، وحبّهم في التجول بين بساتينها ورياضها. وهم أفضل منهجية وإدراكا وربطا وتقويما، وأعمق رؤية، والأمر في ذلك مطّرد.

ومن هنا فالذين عبّروا خير تعبير: هم الذين عاشوا في ظلالها، ونشهد كل هذا، مشمولا به كل المعاني الإسلامية؛ ولذلك نجد هذا الأمر شائعا عند السلف والخلف، قدماء ومحدثين، وحتى يوم الدّين.

ولقد فتح الله عليهم جميعا بفهم كريم؛ لذا- وكمثال سالف للعصر- كان ما كتبه علماء الأمة وشهداء الجهاد، أمثال: أبو الربيع سليمان بن سالم الكلاعي الأندلسي (٦٣٤ هـ ١٢٣٧ م) الذي كان من كبار أئمة الحديث الشريف والسيرة النبوية، وله كتاب (الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء) ، وغيره من شهداء العصور وشهوده عميقا، سواء ما يتعلّق بالتفسير، أو السيرة النبوية الشريفة، قويا ومعبرا، وهو قائم على تلك المواصفات، من الفهم العميق، والحفظ الدقيق، والعيش السليم، وأخذ النفس بمنهاج الله تعالى الكريم، والتضحية من أجل ذلك

<<  <   >  >>