للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين كان المسلمون- والرسول صلّى الله عليه وسلّم معهم- يبنون المسجد النبوي الكريم، بعد الهجرة في المدينة المنورة، كان صلّى الله عليه وسلّم يا بني مع الصحابة الكرام، ويحمل التراب وينقل اللبن والحجارة بنفسه، ويقول وهم يرددون:

اللهم لا عيش إلّا عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره

كما كان صلّى الله عليه وسلّم يقول:

هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ- ربّنا- وأطهر «١»

وهم ينقلون اللبن ويرتجزون:

لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منّا العمل المضلّل

وهكذا كان صلّى الله عليه وسلّم في كل التكاليف- وفي أشقّها- يأخذ بنفسه ويبدأ بها وبأهله، مع ترفقه بالمسلمين.

والمتابع للسيرة الشريفة لا يخطئ أبدا هذا الأمر، ولا يجد مطلقا- ولا يمكنه مهما بحث وحاول- أي عمل أو جهد أو جهاد إلا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أوله، ويتولى أثقله وأكبره وأجهده، مع إلحاح المسلمين عليه بالقيام به دونه. ومثل ذلك تنفيذ الأمور الشرعية كما جرى في تحريم الربا وإبطال الأخذ بالثار حين أعلنه صلّى الله عليه وسلّم في خطبة حجة الوداع، حيث قال: «ألا إنّ كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، وربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب. وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدا به دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب» «٢» .

وهذا الأمر يعتبر معلما بارزا من معالم السيرة النبوية.

كان صلّى الله عليه وسلّم يأخذ نفسه بالتطوع في كل الأمور، ابتداء من العبادة بأشقها


(١) زاد المعاد، (٣/ ٥٦) . السيرة النبوية، الذهبي، (١/ ٢٩٠) . السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ٣٠) .
(٢) السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ٥٧٢) . «موضوع» : يعني: باطل.

<<  <   >  >>