للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كلّ أحوالهم، يغترفون منها، نهلا وعلّا، ويستضيؤون بها ترحالا وحلّا.

وكلما ألمّ بهم أمر هرعوا إليه، يستظلّون ويستفتون، في كل أمورهم، دقيقها وعظيمها، تمثّلوها ومثّلوها، بل اقتدوا به حتى في مشيته وجلسته، وكل حركاته وسكنته ونومه ويقظته، وذلك كلّه عبادة. وجعلوه أسوة وقدوة، وأحبّوه حبّا عظيما، حتى أكثر من النفس والمال والولد. وبذلك يكتمل إيمان المسلم، والله تعالى يقول في القرآن الكريم: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة: ٢٤] .

وكذلك يقول عز من قائل: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:

٦] .

فلا يكتمل إيمان المسلم حتى يكون كذلك، وكما قال الرسول صلّى الله عليه وسلم:

«ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله (عزّ وجلّ) ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله (تعالى) ، وأن يكره أن يعود في الكفر (بعد أن أنقذه الله منه) كما يكره أن يقذف في النار» «١» ، وفي معناه أيضا: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» «٢» ، وورد عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» «٣» .


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب: حلاوة الإيمان، رقم (١٦/ ١) . ومسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهنّ وجد حلاوة الإيمان، رقم (٤٣/ ١) . المسند، (٣/ ١٠٣، ١١٤، ١٧٤) . جامع الأصول (١/ ٢٣٧) .
(٢) فتح الباري (١٣/ ٢٨٩) . الأربعون النووية، الحديث (٤١) . سير أعلام النبلاء (١٩/ ١٣٧) .
(٣) التفسير (٥/ ٢٨٢٨) .

<<  <   >  >>