الوضع- ركنا مهما في معرفة المسلم بدينه، ومحثا كريما مصورا لتعاليمه، ومتمثّلا لشريعته، مثلما هو تحرك دعوي، ونهضة إسلامية تحثّ على التمسك والالتزام والتجديد.
كان الاهتمام بالسيرة موطنا للكتابة فيها، والتفنّن في الاستنباط من معانيها، وبثّا لمعاني الإسلام من خلالها، وغرسا لمضامين الشريعة في نفوس الناس.
ومن هنا فلا بدّ لأهل هذا الجيل- مثلما لسلفه الصالح من الأجيال السابقة ومن أجياله اللاحقة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- من اعتبار السيرة الشريفة، فهما عميقا، واهتداء وثيقا، واقتداء شاملا دقيقا، مرتكزا أساسيا أصيلا في بناء حياته الإسلامية، بها يحيا، وعليها يا بني، ولها يقوم. ينطلق في الحياة على هداها، آخذا بمضامينها، متعلقا بحقائقها، بتحرّ ومحبة وعشق، تظهر آثاره في بنائهم الإيماني الراسخ على عقيدة لا إله إلا الله، توحيدا لله خالصا وعبادة له بشرعه- قرآنا وسنّة وسيرة- أداء صافيا حيّا متوجها لله سبحانه، في كل الشعائر التعبدية وفي كل أحواله، في مسالكهم وتعاملهم وأخلاقياتهم كافة. وهي أخلاق لا إله إلا الله، التي جاهد لها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أكبر الجهاد، وصبر أشد الصبر، واحتمل جميع ألوان العذاب وأشكال العناء، حتى أقام ذلك المجتمع المثال بالجيل الفريد على القرآن الكريم والسنّة المطهرة. والأمثلة والشواهد ما أكثرها وأوفرها وأشهرها، من ذلك ما يعبّر عنها صلّى الله عليه وسلّم بقوله:«لقد أوذيت في الله عز وجل وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثالثة من بين يوم وليلة ومالي ولعيالي طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال»«١» .
(١) الترمذي (٤/ ٥٥٦) . مسند الإمام أحمد (٣/ ١٢٠، ٢٨٦) . ابن ماجه (١/ ٥٤) (رقم: ١٥١) . سيرة ابن كثير (١/ ٢٧٢) . حياة الصحابة (١/ ٢٦٤) .