للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالقرآن الكريم كتاب الله تعالى المبارك، وشرعه المبين، وحبله المتين، أنعم به على البشرية جمعاء، فضلا منه ومنّة؛ ليبلّغه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، رسالة ربانية لا غنى لأهل الأرض عنها في كل ديارهم وأعصارهم ومرتقياتهم. ولا تستريح البشرية- كما استراحت ورأت في جولة سبقت- إلا في ظله. وتلك تجربة وخبرة وشهادة، تكفيها لأخذه واعتماده والعمل به، مكتفية به وحده ومستغنية به عما سواه، حتى لو فاتتها معرفة ذلك، من خلال القرآن والسنة المطهرة والسيرة النبوية الشريفة.

وحين تتخذه البشرية منهجا تتعامل به في كل جوانب حياتها، ستنال السيادة والتكريم في الدنيا والسعادة الدائمة في الآخرة. ويوم تدركه وتعرفه وتفقهه لا ترتضي- ذاتيا، ولا يصحّ لها- أن تلتفت لغيره وبطبيعتها، اعتمادا على نظرية (أو حقيقة) التقابل والتواصل والتكامل، أو التوافق والترافق والتعانق. عندها يسقط وتسقط كل ما عداه من البرامج البشرية، والمناهج الأرضية، والمبادئ الوضعية؛ إذ لا يجب أن يحكّم المسلم في حياته كلها غير ما أنزله الله سبحانه، ولا يقبل التحاكم إلى ما يضعه الإنسان، مهما كان.

وهذا هو مفهوم العبودية لله تعالى، ومعنى شهادة ألاإله إلّا الله، الذي دعا إليه كافة الأنبياء (عليهم السلام) ، واستمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يجاهد من أجلها عقودا، تثبيتا وتوكيدا وتحديدا بأمانة.

والله تعالى يقول في سور متعددة مثل الأنعام والأعراف وهود اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بابن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء أخوة، أبناء علّات، أمهاتهم شتّى، ودينهم واحد» «١» .


(١) رواه البخاري: كتاب الأنبياء، باب: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها [سورة مريم، ١٦] ، رقم (٣٢٥٩) . ومسلم: رقم (٢٣٦٥) . جامع الأصول، (٨/ ٥٢٣، رقم ٦٣٢١) . «أولى الناس» : أخص الناس به وأقربهم إليه، لأنه بشّر به. «أولاد علات» : الأخوة لأب واحد، من أمّهات مختلفة. والمعنى: أن

<<  <   >  >>