على المقدار الذي قدر للبشر أن ينالوه، فجميع ما جاء في الكتب السماوية من وصف السماء والأرض وتاريخ الأمم, ما يجب أن نعتقد تسليمه مهما عارض العقل أو خالف شاهد الحس، فعلى الناس أن يؤمنوا به أولًًا, ثم يجتهدوا ثانيًا في حمل أنفسهم على فهمه، أي: على تسليمه أيضًا"١.
لقد أفاق المفكرون على هذا الغبن الفاحش والفساد العريض والظم الذي لا يردعه رادع باسم الدين والتقرب إلى الله تعالى بطاعة الرهبان والخضوع لهم.
فإذا بهم يطلقون الصرخات الحارة, والنداءات المخلصة للشعوب أن يفيقوا من تنويم الدين النصراني لهم, وأن ينفضوا عنهم غبار الجهل المتراكم بسببه.
فانفجر الناس وكأنهم البراكين الثائرة, وأخذوا ينادون بإقصاء الدين ومن يمثله عن طريقهم, وخرجوا وكأنَّهم طلاب ثأر موتورين، وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب الخفية والظاهرة بين رجال الكنيسة وبين المفكرين ومن تبعهم، وإذا بالأرواح تزهق, والضحايا تتوالى وتزداد، وحلَّ كابوس مخيف على أوربا, وليل داج أسفر بعد ذلك كله عن انتصار المارد الجديد, ودحض الكنيسة وترهتها, وتمريغ أنوف رجال الدين في الوحل، وابتلى الله الظالمين بالظالمين، وتنفَّست أوربا الصعداء، وإذا العداء بين الفريقين ملتهبًا لا يقر له قرار, ومن هنا أدار رجال الفكر ظهورهم للدين
١ الإسلام والنصرانية مع العلم والمدينة, ص٢٧، ٢٨, عن الاتجاهات المعاصرة ص٩٤.