وأنَّى للتاريخ المشترك أن يوجد الألفة الحقيقية بين المتخلفين فكريًّا وعقديًّا, فليس وراءه لا ثواب ولا عقاب يرجى بعد الموت, فأي مبرر يجعل الإنسان يؤثر غيره على نفسه ولو أدَّى إلى موته هو؟
ج- أما الأرض:
فقد صادف دعاة القومية في بناء قومياتهم على الأرض المشتركة متاعب وتناقضات جمَّة, وذلك أن الذين يتكلمون لغة واحدة وفوق أرض واحدة ليس بالضرورة أن يكونوا كلهم من جنس واحد وعلى لغة واحدة من البداية إلى النهاية, في أيّ أرض, فقد تنشأ لغة جديدة في بلد وتنتهي عن بلد لأمور كثيرة اعتقادية أو سياسية؛ إذ لا يمكن لأي أمَّة أن تدَّعي أنه لا يوجد لأيّ شخص بينهم انتماء إلى غيرهم, ومن الأمثلة القريبة على ذلك الأمة العربية قبل الإسلام وبعده؛ إذ إنه قبل الإسلام كانت الأرض العربية هي شبه الجزيرة, ولكن بعد مجيء الإسلام دخلت أمم أخرى في الإسلام؛ وحيث إن الإسلام لا يشعر أحد بأنه غريب عنه, وأن الأرض كلها مخلوقة لأجله, فقد دخلت تلك الأمم في الإسلام وأحبوه وأحبوا لغته, وصارت هي اللغة الأساسية بينهم؛ كمصر والمغرب وغيرهما من البلدان التي أصبحت عربية تعتز بدينها ولغتها, فهل يقال: إن الأرض هي التي وحَّدت بينهم وبين سائر إخوانهم العرب المسلمين, إن قالوا هذا فقد ظهر كذبهم، وإن قالوا: إنه الإسلام, فقد قالوا بالحقيقة التي تناقض دعواهم صلاحية التجمع القومي على الأرض بدلًا عن الإسلام.