بل كان الجاهليون العرب أفقر منهم؛ لأنَّ هؤلاء ما كانوا ينادون لا بالقومية العربية ولا بالتحزب والتعصب لها, وحينما جاء الإسلام لم يذمّهم على عدم شعورهم بأنهم على أرض العروبة, وإنما أخذ بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم وعزهم, وهو الشعور بالفخر بالإسلام وتعاليمه, وأنّ العرب قد جاءهم ما يحفظ وحدتهم في اللغة والأرض والتاريخ وسائر الاتجاهات, فكانوا في جهادهم يدعون الناس إلى الدخول في الإسلام لا إلى الانضمام إلى العربية أو إلى شبه الجزيرة العربية.
ولو أنَّ دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت موجَّهة من أول يوم إلى التعصُّب للعروبة والقومية وما إلى ذلك؛ لسارع كلُّ العرب إلى الالتزام بذلك والترحيب بها, بسبب ما كانوا يحسُّون به من ضعف عام وتشتُّت وتمزُّق في الآراء والأفكار والأنظمة.
فكانوا في حاجة إلى أيّ شخص يتزعَّمهم على أيّ نعرة جاهلية؛ ليحققوا به مبادئهم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا, وليحققوا به شيم النفوس حينما توغل في الظلم كما قال شاعرهم:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذاع عفة فلعلة لا يظلم
فكانوا لا ينقصهم إلّا الشخصية المؤهلة لتتزعمهم؛ لأن الشجاعة موجودة, والإحساس بالفوضى في حياتهم موجود, وكذا الإحساس بالظلم الفادح, بل إنَّ الإحساس ببعدهم عن ربهم كان موجودًا, وما عبادتهم للأصنام إلّا لتقربهم إلى الله زلفى بشفاعتها لهم؛ لشعورهم بالذنوب والتقصير في جنب