وكان أشد هؤلاء النصارى إيغالًا في المؤامرات هم نصارى العرب في لبنان وفلسطين, وغيرها من بلاد العرب, بدعم مباشر من دول النصارى الكبيرة, وكان أكثر تركيزهم يتمثّل في استجلاب الشباب العربي إلى الدراسة في الدول النصرانية, وفي المحاضرات والمراسلات بينهم وبين ممثّلي النصرانية الحاقدة ومجيء المنصِّرين إلى بلاد العرب مدرسين وكُتَّابا ووعَّاظًا, وفتحوا المدراس والمستشفيات, وجادوا بشتَّى مطبوعاتهم من المقررات الدراسية إلى الموسوعات, فأنشأوا أجيالًا من دعاة القومية من شتَّى المراحل الدراسية, وكانوا من ورائهم دعمًا وتوجيهًا, وأصبحت تلك الأجيال من دعاة القومية المخلصين لها, وكان للجامعة الأمريكية في بيروت حظّ الأسد في نشر القومية العربية ولا تزال, ولم ينس هؤلاء الدعاة إنشاء الجمعيات والمنظَّمات تحت هدف إحياء العربية وإيقاظ العرب بغضِّ النظر عن الدين, وأنَّ الالتفاف على القومية يغني عنه, ونشروا المقالات والأشعار يتغنَّون فيها بماضي العرب, ويحضونهم على عداة كل من ليس عربي, وخصوصًا الأتراك, وكان أبرز القادة في هذا الميدان هم نصارى لبنان وسوريا الذين كانوا يتلقَّون الدعم السخيّ من دول النصارى الكبرى أمريكا وبريطانيا وفرنسا, تملؤهم الغطرسة بإحياء القومية العربية وإحلالها محل الدين, متباكين على حقوق العرب الضائعة ولغتهم المظلومة وحقوقهم المهضمومة -حسب مزاعم هؤلاء, ومن مشاهير هؤلاء الدعاة ناصيف اليازجي اللبناني، وبطرس البستاني اللبناني، وإبراهيم بن ناصيف اليازجي، وعبد الرحمن الكواكبي، ونبيه فارس، وكان هؤلاء الزعماء يعرفون أنهم في حاجة ماسَّة إلى وقوف المسلمين إلى جانبهم في حربهم -خصوصًا- مع الدولة العثمانية, وحيث إنهم على اختلاف في الدين فإنَّ القومية العربية هي القاسم المشترك والموحّد بينهم.