للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيح، وفي الوقت الذي يرى فيه الإنسان حسنًا ما ليس بالحسن من جرَّاء الدعايات البراقة, أو الضعوط الشديدة.

وفيما يلي نبيِّنُ بعض تلك الأسباب التي أدَّت إلى انتشار العلمانية في ديار المسلمين، ويمكن أن يكون من أول الأسباب كلها:

جهل المسلمين بدينهم: فلقد مرَّت بالمسلمين فترات ساد فيها الجهل, وتغلبت الخرافات, وقلَّ فيها الإقبال على العلم والتعلُّم, حتى وصل الحال إلى إمكان عَدِّ الذين يقرأون ويكتبون في البلد الواحد، وحتى الكثير من هؤلاء القراء والكُتَّاب قد لا يقرأ أحدهم إلّا القرآن الكريم من المصحف دون فهم ولا تدبر، وأُقْفِلَ باب الاجتهاد حين غلب الجهل, وقلَّ العلماء المجددون, وجمدوا على التعصب للآراء, وتشعَّبوا إلى مذاهب فكرية وطوائف متعارضة يحتدم بينها التنافس المنحرف, لا لشيء إلا لأجل بسط النفوذ واكتساب الأتباع، وهذا الانحراف ممثَّلته الصوفية بأجلى مظاهره؛ حيث نام الناس على ترديد أوراد جوفاء في معظمها للتبرك وزهد كاذب عن الدنيا وملذاتها.

والناس في نظر أقطاب الصوفية أصبحوا مذنبين مقصرين في جنب الله، وحصل عند بعض المتصوفة المسلمين ما حصل للنصارى في نشوء طغيان رجال الكنيسة في تجريمهم للناس, وتحطيم معنوياتهم, والضغط عليهم للتمسك برجال الدين أصحاب الجاه العريض عند الله، فبهم وحدهم أزمَّة الأمور, وبرضاهم يرضى الله, وبسخطهم يسخط.

<<  <   >  >>