واخترع الصوفية في مقابل هذا الغلوِّ النصراني مقالتهم المشهورة "من لم يكن له شيخ، فشيخه الشيطان"، واخترعوا أشدَّ من صكوك الغفران عند النصاري، وهو ضمان القطب الصوفي الجنة لمن يريد، ووصل الهوس بأتباع التصوّف إلى الكسل التامِّ والخمول المخزي, بحجة التوكّل على الله, وترك حطام الدنيا, إلى غير ذلك من مسالك الصوفية مما سبق بيانه في دراستنا للتصوف١.
وعلى كل حالٍ, فإن تلك الأوضاع الشائنة التي كان فيها المسلمون, مضافًا إليها سرعة انتشار الجهل، مضافًا إليها النهضة العلمية التجريبية التي شهدتها أوربا، كل ذلك وغيره قد أثَّر تأثيرًا قويًّا في ليِّ أعناق كثير من المسلمين إلى التأثُّر بالحضارة الغربية، فذهبوا يحاولون جاهدين تقريب تلك الحاضرة الغربية إلى الحضارة الإسلامية على حساب الحضارة الإسلامية, بحجة الانفتاح والاستفادة مما وصل إليه الغرب الذي تطوّر إلى أن وصل إلى الحال الذي ينظر إليه بعين الإكبار عند المغتربين بزخرف الحياة الدنيا، وقد اقتبس الكثير من المسلمين كثيرًا من المفاهيم الأوربية, وقدَّموها للمسلمين على أنها حلولًا لمشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وأنها تتماشى مع الإسلام، وانخدع بذلك الكثير من المثقَّفين ومن غير المثقَّفين، وكأننا نسير إلى تحقيق ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من اتباع المسلمين سنن مَنْ كان قبلهم من اليهود والنصارى في كل شيء، حتى لو دخل أحدهم جحر ضبّ لدخله المسلم محاكاة وتقليدًا دون وعي وتبصُّر.
١ انظر: "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام, وبيان موقف الإسلام منها" دراسة الصوفية.