وقد استمرت عدواة العالم الغربي النصراني للإسلام والمسلمين راسخًا في قلوب النصارى حتى بعد أن أدار العالم الغربي ظهره للنصرانية؛ إذ لم تمنعهم عداوتهم للدين النصراني من شدة تعصبهم لما وقع في أسلافهم تحت السيوف المسلمة، فقد أصبحت عداوتهم للإسلام أمرًا موروثًا بالفطرة, واستحكمت العداوة إلى الحد الذي أصبح من المستحيل أن يبقى أدنى عطف في قلوب النصارى على أي مسلم، ولكنهم ينافقون المسلمين بأنواع النفاق كلها تحت مسمَّيات عديدة، واشتد العداء للإسلام بسب وقوفه ضد مطامعهم وضد طغيانهم الجديد الذي أعقب طغيان رجال الكنيسة، وبسبب دعوة الإسلام إلى التحرر من كل الخرافات والأوهام, وإلى تحريمه الذل للكفار والاستكانة لهم، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة الظاهرة والخفية.
ولقد اتخذت عداوة النصارى للإسلام ومحاربتهم له أشكالًا مختلفة ومظاهر عِدَّة، ابتداء بحمل السلاح وتجييش الجيوش النظامية إلى الالتجاء للخداع والمكر المتمثِّل في غزوهم الفكري للعالم الإسلامي تحت عدة أقنعة, من التنصير إلى الاستشراق إلى استجلاب أبناء المسملين وتنصيرهم بطرقهم المختلفة؛ من بناء المدارس لهم, والمستشفيات, وإنشاء شتَّى المرافق التي قدَّمنا ذكرها، ونشطوا في ذلك نشاطًا عاليًا, أثمر فيما بعد استيلاءهم على العالم الإسلامي حسيًّا ومعنويًّا, وعلت حضارتهم المادية التي يفاخرون بها على حضارة الإسلام، علت في قلوب مريضة أصيبت بالانبهار بما عند الغرب من صناعة وفكر ونظام, سهل بعد ذلك تسرب العلمانية إلى عقول وجهاء وأصحاب نفوذ صاروا ربائب الأكابر وجهاء العلمانية.