وما زعمه "هيجل" من أنَّ الأشياء كلها في تطور متصاعد فكرٌ غير صحيح في كل الأمور, فإذا صحَّ في بعض الحالات فإنه غير صحيح في كلها.
فمثلًا الإنسان وهو حي يسمَّى حسب نظريته طريحة, ثم يأتيه الموت فيسمى نقيضه, ثم يتحوّل إلى تراب فيسمَّى جميعة, فأين التطور التصاعدي في هذا حسب نظرية هيجل؟
أو مثل الغريزة الجنسية هي الطريحة, والكبت هو النقيضة, والتسامي هو الجميعة, أي: المحصلة النهائية الحتمية الوقوع لكل من الطريحة والنقيضة, ولكن لنفرض أن الأمور لم تسر إلى نهايتها وهي الجميعة بأن حصل معوق للشخص بعد ظهور النقيضة بأن مات أو جُنَّ أو حصل له أيّ أمر خطير وانتهى, فأين التصاعد في هذا, وغيره من الأمثلة التي تكذب حتمية التطور التصاعدي في كل شيء١.
وهذه الجدلية عند "ماركس" أوّل ما يظهر منها عدم إيمانه بالله تعالى, وإيمانه بدلًا عنه بالمادية الجدلية وتطورها, وأنها هي التي أنشأت الدين والسياسة والقانون والأخلاق، بل والإنسان نفسه إنما هو من نتائج تلك المادة, وفكره أيضًا كذلك, بل وجود الله تعالى إنما هو من صنع الإنسان المادي, وفكره في عقيدة "ماركس", وهو بهذا قد قلب جدلية "هيجل" التي قامت على الإيمان بالغيب الإلهي, إلى الإيمان بالمادة وحدها عند "ماركس", ويصح أن نقول: إن "ماركس" قد قلب نظرية "هيجل" على رأسها بعد أن كانت على رجليها المعوجَّتين هي الأخرى.