والجواب عند المؤمنين بالله تعالى لا يحتاج إلى إعمال الفكر ولا إلى الاجتهاد, فإن الجواب يأتي تلقائيًّا أن الله هو الذي أنشأه وأظهره في الوقت الذي اقتضته حكمته دون أي صراع مادي، ولهذا فإن التفسير الإسلامي لتاريخ الإنسان ونشأته في هذا الكون من البدهي أن يختلف اختلافًا جذريًّا عن التفسير المادي له عند الملاحدة, ذلك أن الإسلام يقرر أنّ للإنسان مفهومه الخاص به, وأنه متميز عن بقية المخلوقات التي تساكنه في هذه الدنيا, فهو مفكر وله عقل وتمييز, يدبر الأمور ويصرفها وفق مصالحه وإرادته, وهو الذي يسيِّر المادة, وليس المادة هي التي تسيره وتتصرف فيه -كما في المفهوم الشيوعي, ففي الإسلام ينبع تاريخ الإنسان من حياته وتفكيره وعمله وتوجهاته, وما يتلقاه من التعاليم الإلهية على أيدي رسل الله -عليهم الصلاة والسلام, وليس من المادة.
يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه، ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها, وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه, وسلوكه الخيِّر والشرِّير، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب. ولاشك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخه المادي في مفهوم الشيوعية التي تهبط بالإنسان إلى الحضيض, ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علوِّ روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه، هذا الجانب غفلته الشيوعية, ولم تنظر إليه إلّا على أنه حيوان بهيمي لا هَمَّ له إلّا بطنه وفرجه، ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كوَّن الإنسان من جسد وروح, وأن كلًّا منهما يطالب بحقه