للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذين يقولون: "إن قضية العصر الحديث ضد الدين" تشتمل مقالتهم على جانبين متناقضين في آنٍ واحد, فبينما يرى العقل الحديث من ناحية أن الدين مجموعة عقائد لا يمكن إخضاعها للتجربة العلمية، ولذلك تعتبر العقيدة عملًا شخصيًّا للأفراد, نجد في نفس الوقت أن جيشًا من مفكري هذا النهج الفكري يدعون إلى الكشوف العلمية الجديدة قد أبطلت العقائد الدينية"١.

وهذا القول غاية في التناقض إذا ما دام الدين يستحيل إثباته بالعقل أو التجارب العلمية الحديثة، كما قرروه، فيقال لهم حينئذ: إن رفض الدين يجب أن يكون مستحيلًا أيضًا بهما؛ لأنه فوق مستوى العقل, ولا تحيط به التجارب العلمية, فكيف تنكرون شيئًا واقعًا تجهلون معرفته بالتجارب التي أثبتم أنها عاجزة عن معرفة الدين.

ويقال لهم: وهل التجارب أيضًا وصلت إلى معرفة كل شيء؟ كلَّا، فمفهومهم هذا يناقضونه بأنفسهم حين يتلمَّسون الأدلة على بطلان الدين, ومعارضتهم للعلم بزعمهم أنهم وصلوا إلى ذلك عن طريق العلم والتجارب الحديثة, والسبب في تناقضهم هذا يعود إلى أن هؤلاء الملاحدة "لا يريدون أن يستغلَّ المؤمنون بالدين نفس المقاييس التي استخدمها هؤلاء لرفضه؛ لأنه لو تمكَّن المؤمنون من استغلالها استغلالًا طيبًا لاضطر المعارضون إلى أن يسلّموا على الأقل بأن الدين قائم على أسس معقولة"٢.


١ الدين في مواجهة العلم ص١٤.
٢ المصدر السابق، ص١٤.

<<  <   >  >>