للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء الملاحدة لم يدرسوا الدين ولا ذكروا ذلك، وإنما الذي حملهم على نكرانه هو ما شاهدوه في نتائج أبحاثهم في معاملهم من أمور يزعمون أنها تبطل الدين حسب تفسيرهم لها, وهو فهم قاصر ومتعمَّد للانفلات من الإقرار بالدين.

والذي يريد الباطل ويصر عليه لا يتورَّع عن التحريف في الأدلة ومغالطة الحقائق, خصوصًا حينما يخلوا من رادع الدين والضمير الطيب.

فإنَّ الذين يتصورون وجود نزاع بين العلم وبين الدين إنما يتصورون صورة منحرفة غير حقيقية؛ إذ لم يكن ذلك النزاع الموهوم محلّ شك في تاريخ الحضارة الإسلامية على امتداد تاريخها المجيد, ذلك أن العلم والدين كانا جزءًا لا يتجزء من ثقافة الإنسان منذ وجوده الأول, وسيظل كذلك إلى نهاية وجوده في هذه الأرض, ومن اعتقد خلاف ذلك فإنما يعبِّر عن جهله الذي لن يجد عليه أي دليل غير بغضه لرجال الدين النصراني وطغيانهم, وهو ليس بدليل؛ لأن تحميل الدين وموقفه من العلم خطأ طغاة الكنيسة ظلم صارخ؛ سواء أكان أولئك هم طغاة الكنيسة, أو خرافيات بعض البشر, فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وقد عرف القارئ أن تاريخ البشر مليء بالأمثلة التي تدل على الاحترام المتبادل بين الدين والعلم, سواء أكان ذلك في العالم الإسلامي أو في غيره من أصحاب الديانات المختلفة, إلى أن أفاقت أوروبا من سباتها, ورأى المفكرون وأصحاب العلوم التجريبية مدى ما تعيشه الشعوب الأوروبية من تجهيل معتمد من قِبَلِ رجال الكنيسة, في الوقت الذي كان العلم يشقّ طريقه وسط ظلمات النصرانية المحرَّفة, وظهور صدق نظرياته ومكتشفاته في مقابل خرافات الكتاب المقدَّس وتعليلاته ونظرياته المتخلفة.

<<  <   >  >>