الإسلام لم يكتف بالركون إلى هذه المراقبة فقط -وإن كانت من أسمى الأمور, ولكن الإسلام أضاف إلى هذا وازع السلطان لردع من قلت عندهم المراقبة الذاتية, فاكتمل بهذا أقوى وأفضل الأنظمة لتحقيق الصالح العام والخاص في الدنيا وفي الآخرة, الذي يجعل جميع موارد الرزق أمرًا مشاعًا بين الناس ما دامت في حدود الشرع وفي حدود "لا ضرار ولا ضرار".
أمَّا أصحاب النظام الوضعي فقد ارتكبوا خطأ استندوا فيه إلى أوهام ظنّوها صححية, وأتصوّر أن سبب هذا الخطأ عند غير المسلمين يعود إلى عدم إيمانهم بالله تعالى, وأنَّه هو الرزاق ذو القوة المتين, بيده مقاليد كل شيء, فذهبوا يعللون للمشكلة الاقتصادية بندرة الموارد, ومن الطريف في الأمر أنه قد خرج بعض مفكريهم عن هذا التصور وقرروا أن تعليل المشكلة الاقتصادية بندرة الموارد مجرد خيال وخرافة, وقد نقل الدكتور "شوقي أحمد"١ عن بعض مفكريهم "فرنسيس مورلاييه" و"جوزيف كولينز" نقولات ترد هذه الفكرة وتشنّع على معتنقيها, وترد العجز ليس إلى الموارد, وإنما إلى الإنسان نفسه وتقصيره, وألَّفَا في ذلك كتابًا سمياه "صناعة الجوع وخرافة الندرة" أكَّدَا فيه أن "مشكلة ندرة الموارد عن حاجات الإنسان هي مشكلة اصطنعها الإنسان واكتوى بنارها".
وأن الجوع والحاجة ليس بسبب ندرة الغذاء والأرض, وإنما الذي يلام عليه الإنسان نفسه, وذلك -كما تقدَّم- بسبب سوء توزيع الثروة إسرافًا
١ انظر كتابه "دروس في الاقتصاد الإسلامي، النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي" ص٦١.