عبد الرحمن بن أبي نوح قال: ذكر لي عن رجل من العرب فهم وخير، فقصدت له في بعض البوادي حتى أصبته يسنو على بعير له. فقلت: قل لي كلاماً أحفظه عنك يرحمك الله. قال: لا تطلق لسانك فإن الفعل أولى بك من القول. قلت: رحمك الله إن دليل العمل القول ومفتاحه المعرفة. فأعجب بقولي. ثم أقبل علي فقال: يا أخي إن الشفقة لم تزل بالمؤمن حتى أوفدته على خير حال، وإن الغفلة لم تزل بالفاجر حتى أسلمته إلى شر حال، وما خير عمر امرئ لا يدري ما عاقبة أمره، وما خير عيش لا يكمل ما حفظ منه، ولئن كانت الرغبة في الدنيا هي المستولية على قلوبنا كما استولت على أبداننا لقد خبنا غداً في القيامة وخسرنا.
٩٢٢ - عابد آخر
يحيى بن معاذ قال: كنت في سياحتي، فبينا أنا في بعض الفلوات إذ لاح لي كوخ من قصب، فقصدت نحوه فإذا أنا بشيخ مبتلي، قد أكل الدود لحمه، فوقع له في قلبي رحمة، فقلت له: يا شيخ أتحب أن أسأل الله تعالى أن يبرئك؟ قال: فرفع رأسه وهو أعمى فنظر إلي وقال: يا يحيى بن معاذ الرازي وإن لك عنده هذه الدالة فلم لا تسأله أن يبغض إليك شهوة الرمان؟ قال يحيى: وكنت قد اعتقدت مع الله عز وجل ترك الشهوات ما خلا الرمان فلم أقدر على تركه لحبي له. ثم نظر إلي وقال لي: يا يحيى بن معاذ احذر أن تتعرض لأولياء الله فتفتضح عندهم.
٩٢٣ - عابد آخر
أبو القاسم النصر آباذي قال: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: بقي إبراهيم سنة في البادية ما أكل ولا شرب ولا اشتهى شيئاً. فقال: عارضتني نفسي أن لي عند الله عز وجل رتبة فلم أشعر أن كلمني رجل عن يميني فقال: يا إبراهيم ترائي الله في سرك؟ فنظرت إليه فقلت: قد كان ذلك. فقال: بحمد الله كم لي ههنا لم آكل ولم أشرب ولم أشته شيئاً وأنا زمن مطروح؟ قلت: الله أعلم. قال: ثمانين يوماً وأنا أستحي من الله عز وجل أن يقع لي خاطرك، ولو أقسمت على الله عز وجل أن يجعل هذا الشجر ذهباً لجعله، فكانت بركة رؤيته تنبيهاً لي ورجوعاً إلى حالتي الأولى.