والطيورِ المغرِّدةِ، فلا يأبهون لها، وإنما يأبهون لدينارٍ يدخلُ ودينارٍ يخرجُ. قدْ كان الدينارُ وسيلةً للعيشةِ السعيدةِ، فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة من أجلِ الدينارِ، وقد رُكِّبتْ فينا العيونُ لنظرِ الجمالِ، فعوَّدناها ألا تنظر إلاَّ إلى الدينارِ.
ليس يعبِّسُ النفس والوجه كاليأسِ، فإنْ أردت الابتسامُ فحارب اليأس. إن الفرصة سانحةً لك وللناسِ، والنجاحُ مفتوحٌ بابُه لك وللناسِ، فعوِّدْ عقلك تفتُّح الأمل، وتوقُّع الخيرِ في المستقبلِ.
إذا اعتقدت أنك مخلوقٌ للصغيرِ من الأمورِ لمْ تبلغْ في الحياةِ إلا الصغير، وإذا اعتقدت أنك مخلوقٌ لعظائمِ الأمورِ شعرت بهمَّةٍ تكسرُ الحدود والحواجز، وتنفذُ منها إلى الساحةِ الفسيحةِ والغرضِ الأسمى، ومِصْداقُ ذلك حادثٌ في الحياةِ الماديةِ، فمنْ دخل مسابقة مائةِ مترٍ شعر بالتعبِ إذا هو قطعها، ومن دخل مسابقة أربعمائِةِ مترٍ لمْ يشعرْ بالتعبِ من المائةِ والمائتينِ. فالنفسُ تعطيك من الهمَّةِ بقدرِ ما تحدِّدُ من الغرضِ. حدِّدْ غرضك، وليكنْ سامياً صعْب المنالِ، ولكنْ لا عليك في ذلك ما دمت كلَّ يومٍ تخطو إليه خطواً جديداً. إنما يصدُّ النفس ويعبِّسَها ويجعلُها في سجنٍ مظلمٍ: اليأسُ وفقدانُ الأملِ، والعيشةُ السيئةُ برؤيةِ الشرورِ، والبحثِ عن معايبِ الناسِ، والتشدُّقِ بالحديثِ عن سيئاتِ العالمِ لا غير.
وليس يُوفَّقُ الإنسانُ في شيء كما يُوفَّقُ إلى مُرَبٍّ ينمّي ملكاتهِ الطبيعيةِ، ويعادلُ بينها ويوسِّعُ أفقه، ويعوِّدهُ السماحةَ وسَعةَ الصدرِ، ويعلِّمهُ أن خَيْرَ غرضٍ يسعى إليهِ أن يكونَ مصدرَ خيرٍ للناس بقدرِ ما يستطيعُ، وأنْ تكون