للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن قولهم: (إن المكرَه ملجأ) غير صحيح؛ فإنه متمكن من الامتناع، ولذلك أَثِم بقتله، وحَرُم عليه، وإنما قتله عند الإكراه ظنًا منه أنّ في قتله نجاة نفسه، وخَلاصُه من شر المكرِه، فأشبه القاتل في المخمصة ليأكله (١).

أدلة القول الثاني:

١. عند الاختيار يضمن الجلاد، لأنه مباشر للقتل، والقاعدة الفقهية تقول: (إذا اجتمع المباشر والمتسبب يُضاف الحكم إلى المباشر) (٢).

٢. عند الاختيار وعدم الإكراه يكون الجلاد القاتل دون الإمام؛ لأن طاعة الإمام لا تلزم في المعاصي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (٣).

٣. عند الإكراه يضمن الإمام والجلاد؛ أما الإمام فلأنه تسبب إلى قتله، فأشبه ما لو ألسعه حية، أو ألقاه على أسد في زُبْية (٤).

وأما الجلاد فلأنه باشر قتله عمدًا ظلمًا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله في


(١) انظر: المغني (٨/ ٢٦٧).
(٢) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ١٣٥)، الفروق للقرافي (٢/ ٢٠٦)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: ١٦٢)، شرح الكوكب المنير (١/ ٤٤٨)، القواعد لابن رجب (ص: ٢٨٤)، وللاستزادة انظر: القواعد الفقهية المتعلقة بالمباشرة والتسبب وتطبيقاتها الفقهية في الفقه الإسلامي (بحث تكميلي للماجستير-كلية الدراسات العليا- الأردن).
(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (٢/ ٣٨٣)، وابن أبي شيبة في المصنف (٦/ ٥٤٥)، وأحمد في مسنده (٢/ ٣٣٣)، والطبراني في المعجم الكبير (١٨/ ١٦٥)، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، وصححه الألباني في الصحيحة (١٧٩).

وجاء بلفظ آخر في الصحيحين عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع، ولا طاعة». رواه البخاري في صحيحه، الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم (٢٩٥٥)، ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم (١٨٣٩).
(٤) الزُّبْيَة: بوزن غرقة: الرابية لا يعلوها الماء، وحفرة تحفر للأسد شبه البئر سميت بذلك لكونها تحفر في مكان عال. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: ٤٣٥).

<<  <   >  >>