للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليل القول الرابع:

القاعدة السابقة: (إذا اجتمع المباشر والمتسبب يُضاف الحكم إلى المباشر) (١).

والجلاد هو المباشر، فهو الضامن.

الترجيح:

الذي يظهر- والله أعلم- أن الراجح التوسط بين الأقوال بما يلي:

١. الضمان على الإمام والجلاد معًا عند الاختيار؛ لأن كثيرًا ما يكون أمر السلطان إكراه؛ فإن السلطان لا يُؤمن تغيًّره بتغيُّر البطانة والنقَلة، ثم إن المأمور يعلم عادة أنه يعاقبه إن لم يمتثل أمره (٢). ويضمن الجلاد؛ لأنه مباشر كما تقدم.

٢. الضمان على الإمام فقط عند الإكراه الملجئ؛ لأنه ليس إكراهًا على القتل مباشرة، ولكنه إكراه على الجلد الذي أفضى إلى الموت، ولأنه يصح نسبة الجلد والقتل إلى الإمام وإضافة الفعل إليه لأنه الآمر به كقوله تعالى: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} (٣) أي أمر بذبحهم (٤)، وقوله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٥) فهو الذي خرج - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام القرطبي رحمه الله: "في هذه الآية دليل على أن نسبة الفعل الموجود من الملجأ المكرَه إلى الذي ألجأه وأكرهه، لأن الله تعالى نسب الإخراج إلى الكفار" (٦).

ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير، قال: "كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فَلَزِقَتْ قدمه بالركاب، فَنَزَلْت، فنزعتها، وذلك بمنى، فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك، فقال ابن


(١) تقدمت قريبًا (ص: ٢٠٢).
(٢) انظر: المحيط البرهاني (٩/ ١٨)، مجمع الضمانات (ص: ١٥٨)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٦/ ١٣٢).
(٣) سورة القصص: ٤.
(٤) تفسير القرطبي (٤/ ٢٩٥).
(٥) سورة التوبة: ٤٠.
(٦) تفسير القرطبي (١٢/ ٦٩).

<<  <   >  >>