للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما قال هذا في الزبير؛ لأنه كان معروفًا بجودة التجارة والتبصر فيها، فدل على: أن الحجر جائز عندهم؛ إذ إنَّ عليًا رضي الله عنه حاول الحَجْر على عبد الله بن جعفر، وأن الزبير لما وقف على ذلك، سأل عبد الله بن جعفر أن يشركه في ذلك البيع الذي حاول علي الحَجْر عليه من أجله؛ ليرتفع بذلك عنه ما خافه على نفسه من عثمان فيه، ووقوف عثمان على ذلك، ومحاجته عليًا شركة الزبير عبد الله بن جعفر في ذلك، وكان في ذلك ما قد دل أنه لولا شركة الزبير إياه فيه حَجْر، ورأى عبد الله بن جعفر ذلك؛ لخوفه على نفسه من عثمان أن يحجر عليه من أجله، وكان ذلك منهم جميعًا بمحضر من حضرهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواهم، فلم ينكروا ذلك عليهم، ولم يخالفوهم فيه، فدل ذلك على متابعتهم إياهم عليه (١).

فهذا يدل على أن المبذر يمنع من التصرف في العفو عن الدية.

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم يخالفها أحد في عصرهم، فتكون إجماعًا" (٢).

٤. حدثت عائشة رضي الله عنهما: "أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (٣) قال: في بيع أو


(١) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٢٥)، شرح مشكل الآثار (١٢/ ٣٤٠ - ٣٤١)، البيان (٦/ ٢٣١)، المغني (٤/ ٣٥٢).
قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "فعلي - رضي الله عنه - لا يطلب الحجر إلا وهو يراه، والزبير لو كان الحجر باطلًا قال: لا يحجر على حر بالغ، وكذلك عثمان - رضي الله عنهم -؛ بل كلهم يعرف الحجر في الحديث".
(٢) المغني (٤/ ٣٥٢).
(٣) هو عبد الله ابن (حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته صفية: الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أمّه أسماء بنت أبي بكر الصديق. ولد عام الهجرة، وحفظ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، وهو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة. وبويع بالخلافة سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية،

واجتمع على طاعته أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج، ولم يتخلف عنه إلا بعض أهل الشام. قتل على رأس اثنتين وسبعين في عهد عبد الملك بن مروان، قال مالك: "ابن الزبير كان أفضل من مروان، وكان أولى بالأمر من مروان ومن ابنه".
انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٣/ ٩٠٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٧٨).

<<  <   >  >>