للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط من طريق فيها خير، ولا نعلمه أيضًا جاء عنه عليه السلام أيضًا، لا مسندًا، ولا مرسلًا، وإنما هو قول روي عن ابن مسعود، وعمر، فقط - ولو صح لكانوا أول مخالف له؛ لأن الحنفيين، والمالكيين لا نعلم أحدًا أشد إقامة للحدود بالشبهات منهم" (١).

٣. ولأن الرجوع كالإقرار الأول كلاهما خبر يحتمل الصدق والكذب، ولا مرجع للأخذ بالإقرار دون الرجوع وتلك شبهة يدرأ بها الحد (٢).


(١) انظر: المحلى بالآثار (٧/ ١٠٣)، وتتمته: "فالمالكيون يحدون في الزنى بالرجم والجلد بالحبل فقط -وهي منكرة- وقد تستكره وتوطأ بنكاح صحيح لم يشتهر، أو وهي في غير عقلها، ويقتلون بدعوى المريض: أن فلانًا قتله، وفلان منكر ولا بينة عليه.
ويحدون في الخمر بالرائحة، وقد تكون رائحة تفاح، أو كمثرى شتوي.
ويقطعون في السرقة من يقول: صاحب المنزل بعثني في هذا الشيء - وصاحب المنزل مقر له بذلك.

ويحدون في القذف بالتعريض - وهذا كله هو إقامة - الحدود بالشبهات.
وأما الحنفيون فإنهم يقطعون من دخل مع آخر في منزل إنسان للسرقة فلم يتول أخذ شيء ولا إخراجه، وإنما سرق الذي دخل فيه فقط، فيقطعونهما جميعا - في كثير لهم من مثل هذا قد تقصيناه في غير هذا المكان.
فمن أعجب شأنا ممن يحتج بقول قائل دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم هو أول مخالف لما احتج به من ذلك، وأما تسويتنا بين الحر، والعبد، والذكر، والأنثى ذات الأب البكر، وغير البكر، واليتيمة، وذات الزوج فلأن الدين واحد على الجميع، والحكم واحد على الجميع، إلا أن يأتي بالفرق بين شيء من ذلك: قرآن أو سنة - ولا قرآن، ولا سنة، ولا قياس، ولا إجماع على الفرق بين شيء مما ذكرنا وبلا خلاف من أحد من أهل الأرض من المسلمين في أن الله تعالى خاطب كل من ذكرنا خطابًا قصد به إلى كل واحد منهم في ذات نفسه بقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: ١٣٥] ".
(٢) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٦٧).

<<  <   >  >>