للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و «لعن الله من اتخذ شيئًا فيه الروح غَرَضًا (١)» (٢)، والنهي عن ذلك. فلما حرم قتله مصلوبًا بيقين؛ لما ذكرنا من وجوب اللعنة على من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا، وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الأمرين معًا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلبٌ لا قَتلَ مَعه؟ ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به، ولكان كلامًا عاريًا من الفائدة أصلا، وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا! ولكان أيضًا تكليفًا لما لا يطاق، وهذا باطل. فصح يقينًا أن الواجب أن يخير الإمام صلبه إن صلبه حيًا، ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله؛ لأن الصلب في كلام العرب يقع على معنيين: ... " (٣).

الترجيح:

أَرْجح الأقوال فيما يظهر -والله أعلم- هو القول المشهور عند الحنابلة أنه يصلب قدر ما يشتهر أمره (٤)؛ لأن فيه مراعاةً للفظ في النصوص، ومراعاةً للمعنى المقصود من حد الحرابة وهو الردع والزجر.

وأما في عصرنا هذا فالتشهير قد يحدث في دقائق بواسطة الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.

وينبغي مراعاة عدم تغير المصلوب وظهور رائحته ونتنه، وهذا يختلف باختلاف الهواء حرارةً وبرودةً واعتدالًا؛ فإذا خيف التغير ينزل.

وتحديد ثلاثة أيام يفتقر إلى دليل، والقول بأن الصَّلب يَصدُق بأدنى توقيت وإن قلَّ قد لا يراعي المقصدَ من الحدّ، وأما قول الظاهرية يُصلب حيًا ويترك حتى يموت، مرجوح؛ فهو جمع بين القتل المضاعف مع الصلب، وليس مجرد صلب فقط، كما قاله ابن حزم -


(١) قال الإمام النووي - رحمه الله -: "نهى أن نتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضًا أي هدفًا للرمي فيرمى إليه بالنشاب" شرح النووي على مسلم (١/ ١١٤)
(٢) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب النهي عن صبر البهائم، رقم (١٩٥٦، ١٩٥٧).
(٣) انظر: المحلى بالآثار (١٢/ ٢٩٥ - ٢٩٦).
(٤) وهو اختيار صاحب أضواء البيان (١/ ٣٩٦).

<<  <   >  >>