للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهاد لا يجب على العبد مطلقًا بالإجماع (١)، بخلاف الحر فإنه إذا حضر ساحة القتال تعين عليه، كما تقدم.

٤. ولأنه لا يفترض عليه حضور الوقعة (٢).

ويناقش:

نعم لا يفترض عليه حضور الوقعة عينًا، فإذا حضرها تعينت عليه كما تقدم (٣).

الترجيح:

بعد عرض الأدلة ومناقشتها فالذي يظهر - والعلم عند الله- أن الراجح هو القول الأول قول الجمهور بعدم جواز استئجارِ الإمام الحرَّ المسلم في الجهاد مطلقًا، وذلك لما يلي:

١. قوة تعليلهم، وإمكان مناقشة أدلة القول الثاني.

٢. وجود مصارف أخرى في الشرع تسدّ حاجة المجاهد، كالزكاة والنَّفَلِ (٤) والعطايا وغيرها.

٣. أن فتح باب الأجرة واشتراط عوض معين فيه قد يزاحم الإخلاص؛ فلا يكون للمجاهد نية إلا ليصيب الدنيا، ولا بأس أن يبتغي الإنسان الغنيمة ويأخذها مع نقصان الثواب (٥)،

وربما أدى إلى تخلف الجيش من بعض الأفراد بسبب قلة المال مما يهدد أمن


(١) بداية المجتهد (٢/ ١٤٣)، الإقناع في مسائل الإجماع (١/ ٣٣٥).
(٢) انظر: التهذيب (٧/ ٤٥٧).
(٣) انظر: بدائع الصنائع (٤/ ١٩١)، روضة الطالبين (١٠/ ٢٤٠)، المغني (٩/ ٣٠٣).
(٤) النَفَل بفتح النون والفاء، هو: زيادة مال على سهم الغنيمة. روضة الطالبين (٦/ ٣٦٨).
(٥) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة، تم لهم أجرهم» وفي رواية: «ما من غازية، أو سرية، تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم» رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم، رقم (١٩٠٦).

قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: "وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلِموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يَسلَم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة؛ كقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها، فهذا الذي ذكرنا هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا، فتعين حمله على ما ذكرنا، وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالًا فاسدة" شرح النووي على مسلم (١٣/ ٥٢).

<<  <   >  >>