للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥. وإن لم يشرط عليهم الانتقاض به لمخالفته مقتضى العقد (١).

الترجيح:

الراجح -والله أعلم- قول الجمهور بأن المنع من إعطاء الجزية يُعدُّ ناقضًا للعهد.

وما قاله الإمام الماوردي وجيه؛ وهو قوله: "وإن امتنع واحد منهم من بذلها نظر، فإن امتنع من التزامها كان نقضًا لعهده كالجماعة، وإن امتنع من أدائها مع بقائه على التزامها لم يكن نقضًا لعهده، وأخذت منه بخلاف الجماعة؛ لأن إجبار الجماعة عليها متعذر، وإجبار الواحد عليها ممكن" (٢).

وأما تعليل الأحناف بأن ما يدفع عنه قتالنا التزام الجزية وقبولها، لا أداؤها والالتزام باقٍ.

فهذا تعليل في محل النزاع؛ إذ التحقيق فيما يدفع عنهم قتالنا هو استقامتهم بجميع العهود ومنها إعطاء الجزية، كما هو نص الآية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٣)، فقد علق الحكم بإعطاء وأداء الجزية، ولم يعلقه تعالى بمجرد عقد الذمة وقبوله والالتزام.

قال ابن قدامة: "فجعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم. فمتى بذلوها، لم يجز قتالهم" (٤).

وفي تفسير القرطبي: "جعل للقتال غاية؛ وهي إعطاء الجزية بدلا عن القتل" (٥).

وقد ورد في صحيح البخاري نص في الموضوع؛ فقد قال المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - لعامل كسرى قبل معركة نهاوند في بلاد فارس: فأمرنا نبينا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم -: «أن نقاتلكم


(١) انظر: أسنى المطالب (٤/ ٢٢٣)، مغني المحتاج (٦/ ٨٣).
(٢) الحاوي الكبير (١٤/ ٣١٧)، وانظر: بحر المذهب (١٣/ ٣٦٥).
(٣) سورة التوبة: ٢٩.
(٤) المغني لابن قدامة (٩/ ٣٣٦).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ١١٠).

<<  <   >  >>