للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا، أنه «من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم» (١). فقال: «تؤدوا الجزية».

وأما تعليلهم بأن الامتناع عن أداء الجزية يحتمل أن يكون لعذر عدم المال، فلا ينتقض العهد بالشك والاحتمال.

هذا تعليل فيما يظهر أنه نظري أكثر منه عملي؛ فإذا كان أهل الذمة قد عجزوا عن أداء الجزية سيبررون بذلك، ويسارعون في بيان ذلك، وسيبذلون جهدهم لبيان وتوثيق عجزهم، لحقن دمائهم، هذا إذا لم يكن الفقر ظاهرًا عليهم، لعوارض مست البلاد من قحط وجدب وعوامل يدركونها بالحس، فطلبهم الجزية حينذاك من تكليف ما لا يطاق.

فإذا كانوا معدومين عاجزين فلا يُعَدُّون ناقضين لعهد الذمة؛ إذ لا جزية على فقير عاجز عن أدائها كما هو قول الجمهور (٢).

وإذا لم يظهر منهم فاقة، ولم يبينوا حالهم يسألهم الإمام عن سبب عدم إعطائهم


(١) رواه البخاري في صحيحه، أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة، (٣١٥٩).
(٢) أحكام أهل الذمة (١/ ١٥٩).

"مر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه؛ فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيته ثم نخذله عند الهرم {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠]، والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه". الخراج لأبي يوسف (ص: ١٣٩).
وفي كتاب خالد لأهل الحيرة: "أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين" الخراج لأبي يوسف (ص: ١٥٧ - ٥٨).

<<  <   >  >>