للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة:

أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض؛ لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل، ولا يحبط الأعمال كلها غير الكفر؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لابد من أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقًا إلا الكفر (١)، فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه، وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، ورفع الصوت قد يشتمل على أذى له، أو استخفاف به، وإن لم يقصد الرافع ذلك. فإن الأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى (٢).

ثانيًا: من السنة، الأحاديث في ذلك كثيرة منها:

١. عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فأخذ المِغْوَل (٣)، فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل (٤)، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح، ذُكر ذلك لرسول الله، فجمع الناس، فقال: «أنشد الله رجلًا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام»، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين،


(١) "وهذا معروف من أصول أهل السنة نعم قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده، كما قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (سورة البقرة: ٢٦٤)، ولهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر" الصارم المسلول (ص: ٥٥).
(٢) انظر: الصارم المسلول (ص: ٥٤ - ٥٦).
(٣) المغول: مثل سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه، وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض، وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس. انظر: عون المعبود (١٢/ ١١).
(٤) لعله كان ولدًا لها، والظاهر أنه لم يمت. عون المعبود (١٢/ ١١).

<<  <   >  >>