للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تسقط بالتوبة، ... الخ.

إن أرحم الناس بالناس هو نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فمن تمام رحمته صلاته على عبد الله بن أبيّ ابن سلول صلاة الجنازة، مع كونه أعظم من آذى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة في دعوته وجهاده وعِرضه، والناظر في القضية يجد أمورًا:

أ- أن الدّافع لعدم الصلاة على ابن سلول أقوى بكثير من الصلاة عليه؛ فالآية التي فَهم منها - صلى الله عليه وسلم - التخيير تُبيِّن أن استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين لن ينفعهم: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (١).

ب- جدال عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته على ابن سلول (٢).

ج- شهرة نفاق عبد الله بن أبيّ ابن سلول.

مع كل هذا فإنّ رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - غلبت، فاستغفر له.

فينبغي أن ننزِّل من أراد قتله قبل توبته على السياسة الشرعية، وهي خاصة بالأحياء دون الأموات.

وإذا تاب السابّ في الدنيا وصدقت توبته، قد يهيئ الله له أمرًا رشدًا في الآخرة برحمته سبحانه.

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في توبة القاتل: "والذي عليه الجمهور من سلف


(١) سورة التوبة: ٨٠
(٢) قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي على عبد الله بن أبي، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ -وفي رواية يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: ٨٠]، وسأزيده على السبعين " قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤]. رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]، رقم (١٣٦٦)، (٤٦٧٢)، ومسلم في صحيحه، في فضائل الصحابة باب من فضائل عمر - رضي الله عنه - رقم (٢٤٠٠).

<<  <   >  >>