للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باعتبار الالتحام (١).

٢. وأيضًا نوقش قولهم: إن الله تعالى قد سمى الحوت لحمًا، فيحنث بأكله:

بأن الأيمان لا تبنى على الاستعمال القرآني، ولهذا يصح أن يقال: ما أكلت لحمًا بل سمكًا، ولو قال: اشتر لحمًا فاشترى سمكًا عُدَّ مخالفًا، وبائع السمك لا يسمى لحامًا، والعرف في اليمين معتبر، كما لا يحنث بالجلوس على الأرض إذا حلف ألا يجلس على بساط، وإن سماها الله تعالى بساطًا؛ كما قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} (٢)، وكذا لو حلف لا يخرب بيتًا فخرَّب بيت العنكبوت لم يحنث، وإن سماه الله - سبحانه وتعالى - بيتًا في كتابه العزيز بقوله: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (٣)، ولو حلف ألا يركب دابة فركب كافرًا، أو لا يجلس على وتَدٍ فجلس على جبل، أو لا يجلس في سراج فجلس في الشمس، أو لا يقعد تحت سقف، فقعد تحت السماء لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة وأوتادًا وسراجًا وسقفًا، كما قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٤)، وقال {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (٥)، وقال: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (٦)، وقال: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا} (٧)، ونظائرها كثير (٨).

وناقش الإمام ابن قدامة - رحمه الله - كون السماء سقفًا:

بأن الحالف ألا يقعد تحت سقف، لا يمكنه التحرز من القعود تحتها، فيعلم أنه لم يردها بيمينه، ولأن التسمية ثم مجاز، وها هنا هي حقيقة؛ لكونه من جسم حيوان يصلح


(١) انظر: فتح القدير (٥/ ١٢٢).
(٢) سورة نوح: ١٩.
(٣) سورة العنكبوت: ٤١.
(٤) سورة الأنفال: ٥٥.
(٥) سورة النبأ: ٧.
(٦) سورة نوح: ١٦.
(٧) سورة الأنبياء: ٣٢.
(٨) المبسوط للسرخسي (٨/ ١٧٦)، بدائع الصنائع (٣/ ٥٨)، فتح القدير (٥/ ١٢١ - ١٢٢) الحاوي الكبير (١٥/ ٤١٦)، مغني المحتاج (٦/ ٢٠٤)، المغني لابن قدامة (٩/ ٦٠٨).

<<  <   >  >>