للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحسمها بالجزم بحكمٍ، وإن لم تتحقق المصلحة كاملة؛ بل بتكميلها؛ فالشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها (١)، وقد حكم الشرع في بيع المصراة (٢) برد صاعٍ من تمر (٣)

بدل اللبن، لمن أراد أن يردّ المصراة قطعًا للنزاع (٤)، وحدد


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٣٨)، (٢٨/ ٢٨٤).
(٢) قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (٢/ ٢٤١): "مصراة يَعْنِي النَّاقة أَو الْبَقَرَة أَو الشَّاة الَّتِي قد صَرَى بهَا اللَّبن فِي ضرْعهَا، يَعْنِي: حُقن فِيهِ وَجمع أَيَّامًا، فَلم تحلب أَيَّامًا وأصل التصرية حبس المَاء وَجمعه يُقَال مِنْهُ: صَرّيت المَاء وصريته".
(٣) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر» متفق عليه؛ رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفِّل الإبل والبقر والغنم، رقم (٢١٤٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، رقم (١٥١٥) ..
(٤) قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (٤/ ٣٦٦): "والحكمة في ذلك أن كل ما يقع فيه التنازع فليقدر بشيء معين؛ لقطع التشاجر، وتقدم هذه المصلحة على تلك القاعدة؛ فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد، فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، ولو عرف مقداره فوكل إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لأفضى إلى النزاع والخصام، فقطع الشارع النزاع والخصام؛ وقدره بحد لا يتعديانه فصلًا للخصومة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه كان قوتهم إذ ذاك كاللبن، وهو مكيل كاللبن ومقتات، فاشتركا في كون كلِّ واحدٍ منهما مطعومًا مقتاتًا مكيلًا، واشتركا أيضًا في أن كلا منهما يقتات به بغير صنعة ولا علاج. ثالثها: أن اللبن التالف إن كان موجودًا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة، وذلك مانع من الرد، فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطًا فما كان منه موجودًا عند العقد، وما كان حادثًا لم يجب ضمانه".

<<  <   >  >>