للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف لا نية له إنما خرجت اليمين منه بلا نية، فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى" (١).

وقال النووي - رحمه الله -: "واعلم أن كل هذه الصور فيمن أطلق ولم ينو، فأما إن نوى أن لا يفعل ولا يفعل بإذنه، أو لا يفعل ولا يأمر به فيحنث إذا أمر به ففعل، هكذا أطلقوه مع قولهم إن اللفظ حقيقة لفعل نفسه واستعماله في المعنى الآخر مجاز" (٢).

وهذه النقول تثبت أن للنية أثرًا في إيجاب الحنث.

ولذا ذهب بعض الباحثين إلى أن القول بأن (مبنى الأيمان على العرف، كما يقوله الأحناف، أو أن مبناها على حقائق الألفاظ اللغوية، كما يقوله الشافعية) من جهة التنظير والتقعيد قول صريح في كتبهم، أما من جهة التطبيق على قواعدهم فبعد تتبع تفريعاتهم على هذه القواعد النظرية نجد أنهم يبنون على مقتضى الضابط المقرر عند المالكية والحنابلة: بأنه يرجع في اليمين إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه، ولم يخالف الظاهر أو خالفه وكان مظلومًا (٣).

وقد صرح الإمام ابن تيمية - رحمه الله - باتفاق الفقهاء على ذلك، فقال: "واتفقوا على أنه يرجع في اليمين إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه، ولم يخالف الظاهر أو خالفه وكان مظلومًا. وتنازعوا هل يرجع إلى سبب اليمين وسياقها وما هيجها؟ على قولين: فمذهب المدنيين كمالك وأحمد وغيره أنه يرجع إلى ذلك، والمعروف في مذهب أبي حنيفة والشافعي أنه لا يرجع، لكن في مسائلهما ما يقتضي خلاف ذلك" (٤).

المسألة المراد بحثها: إذا حلف لا يأكل طعامًا اشتراه زيد، أو من طعام اشتراه زيد، ثم ملكه زيد بالصلح، فهل إذا أكل منه يحنث؟

اختلفوا إلى قولين:

القول الأول: يُرجع فيه إلى نيته في الحلف؛ فإن أراد قطع المنة فيصدق الحنث بكل


(١) الأم للشافعي (٧/ ٧٥)، (٧/ ٨٦).
(٢) روضة الطالبين (١١/ ٤٨).
(٣) انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في الأيمان والنذور، ص: ٧٩٥.
(٤) مجموع الفتاوى (٣٢/ ٨٦).

<<  <   >  >>