للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخلي سبيله ولا أتركه إلا أن يفر مني، فلا شيء عليه" (١).

و"قال عنه ابن وهب: وإن حلف لا فارق غريمه حتى يقضين حقه، فأتى أهل المطلوب فخلصوه منه قسرًا وضربوه فله نيته، فإن نوى لا فارقته طائعًا ولا أرسلته وأنا قادر على إمساكه فلا شيء عليه.

قال أشهب: إذا فرّ منه أو أفْلتَ حنث، إلا أن تكون له نية فيدين ويحلف" (٢).

"وقال ابن القاسم: ومن حلف لا فارق غريمه فهرب منه، أو لا قبّل امرأته فقبَّلَتْه (٣)

وهو غافل فلا شيء عليه ما لم يكن على التهاون


(١) (١/ ٦١٢).
(٢) النوادر والزيادات (٤/ ٢٥٢).
(٣) قال ابن رشد الحفيد في مسألة أخرى: "ساوى في هذه الرواية بين أن يقول: إنْ قبلتيني أو قبلتك أو تركتني أو تركتك أو فارقتني أو فارقتك أو ضاجعتني أو ضاجعتك، وقال: إنه إذا قال: إن قبلتك أو تركتك أو فارقتك أو ضاجعتك، فقبلَتْه هي أو تركته أو فارقته أو ضاجعته ولم يفعل هو بها شيئًا من ذاك؛ بل غلبته عليه بقبلة أو قهرة، أو ما أشبه ذلك أنه لا حنث عليه، وهو صحيح، وإن كانت المفارقة والمضاجعة مفاعلة من الحالف والمحلوف عليه، والتقبيل والترك فعل من الحالف وحده؛ لأن المفاعلة من غير المفاعلة إنما تفترق فيما يقتضيه اللفظ في حكم اللسان، لا فيما يقع به الحنث مما لا يقع في حكم الشرع، وذلك أن الذي يحلف ألا يضاجع امرأته لا يحنث على ما يقتضيه اللسان إلا بتضاجعهما معًا، ولا يحنث أن ضاجع أحدهما صاحبه الآخر ولم يضاجعه الآخر، وفي حكم الشرع يحنث إذا ضاجع امرأته ولم تضاجعه، كما يحنث إذا ضاجعها وضاجعته؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا يحنث بمضاجعته إياها ضاجعته هي، أو لم تضاجعه، ولا يحنث بمضاجعتها إياه إذا لم يضاجعها هو صار حلفه ألا يضاجع امرأته، بمنزلة حلفه ألا يضطجع إلى جنبها، وألا يقبلها وألا يتركها، وكذلك القول في المفارقة كالقول في المضاجعة، وفرَّق في المدونة بين الذي يحلف ألا يضاجع امرأته وألا يفارق غريمه، من جهة المعنى لا من جهة افتراق اللفظ؛ لأن المضاجعة مفاعلة كالمفارقة فقال في الذي يحلف ألا يضاجع امرأته: "إنه لا يحنث إن ضاجعته ولم يضاجعها" مثل قوله هاهنا، وقال في الذي يحلف ألا يفارق غريمه فهرب وفرّ منه: "إنه حانث إلا أن ينوي غلبته إياه؛ لأنه إذا فرّ عنه وهو قادر على منعه فقد فارقته"، وكذلك أيضًا لو ضاجعته امرأته وهو قادر على منعها لكان قد ضاجعها ولزمه الحنث، فتفرقته في المدونة بين المفارقة والمضاجعة إنما هو لافتراق المعنى عنده في قصد الحالف؛ فحمله في المفارقة على أنه إنما أراد أن يمنعه من مفارقته إياه فرآه حانثًا إذا فارقه، إلا أن ينوي أنه إنما فارقه بغلبته إياه على ذلك، وحمله في المضاجعة على ما يقتضيه اللفظ، فلم يره حانثًا إذا ضاجعته إلا أن يكون تراخى لها في مضاجعتها إياه حتى أمكنها من ذلك والله أعلم." البيان والتحصيل (٦/ ١٧٢).

<<  <   >  >>